الأنظمة الخليجية وطبول الحرب العالمية الثالثة

الأنظمة الخليجية وطبول الحرب العالمية الثالثة

 كتب/ احمد الدان

نقدّر أن (الحرب العالمية الثالثة ) إن قدّر لها أن تندلع فستكون أرض الأمة الاسلامية هي مسرحها المركزي وحلبتها الأساسية، وستكون مقدرات امتنا البشرية والمادية هي وقودها ، والطائفية والمذهبية مبررها ، و الأنظمة الغبية هي محرك زنادها ، ولن تدري بعد ذلك ما المآلات ولا أين سنتشر الالتهابات ولا كيف تحصي الخسائر ولا أين تدفن الضحايا.

وللأسف الشديد بتكرار السيناريو نفسه كل مرة ويمثل الأحفاد الجدد نفس الأدوار التي قام بها الأجداد وهي أدوار الكمبارس لأن الأبطال الحقيقيين لا يخرجون إلا في اللحظات الاخيرة حين ينهار الجميع.

  1. ففي القرن الماضي كانت حروب الأمة الاسلامية بين العرب والأتراك وكانت (الخلافة الإسلامية) هي الضحية التي استعصت على الكسر في ميدان الشرف فضربها الغرب باسم العرقية من داخلها وقامت (الثورة العربية) فأسقطت الخلافة العثمانية وأحيت الطورانية التي بعثت بعد ذلك (قومية التتريك) .
  2. ولما قامت (الدولة السعودية) أكملت هذا المشوار حين ربطت حربها على إمكانية عودة الخلافة بالحرب على الطرق الصوفية وخدعت الأمة في وحدتها تحت وهم الحرب على القبور والقباب والشيوخ والزوايا .
  3. وفي السبعينات قادت السعودية حربها على الإلحاد وجندت هي وربيباتها في الخليج شباب الأمة يحارب في أفغانستان لتحريرها من الروس ، فلما تم التحرير تخلت السعودية على أفغانستان وتركتها نهبا لأمريكا من جهة وللصراع بين الفصائل التي عرفت كيف تحارب ولكنها لم تعرف كيف تحافظ على الاستقلال الذي تحول الى فتنة ثم حولته قوى إقليمية إلى قاعدة للإرهاب الدولي برر استمرارية الحرب …وكان آخر ما اكتشفه بن لادن نفسه أن ((القاعدة)) لم تعد اسما جيدا وأوصى بتغييره، فجاءت (النصرة) وغير النصرة و تتجدد اليوم الحرب في شكل اكبر من إمكانات الأمة كلها
  4. وفجأة انتهت الحرب على (الإلحاد) لتبدأ الحرب ضد (البدع )، والتي بدأت بتبديع تارك جلسة الاستراحة أو مسبل الإزار إلى أن وصلت (تكفيره) وإخراجه من (الملة)، وحدث في الأمة انقسام خطير أنتج منظومة تكفيرية شغلت الشارع الاسلامي وضربت الاعتدال والوسطية ومكاسب صحوة الامة الاسلامية وأجلت على الامة فرص النهوض والتنمية والوحدة عقودا من الزمن.
  5. وحين نشأت دولة إيران الحديثة بعد الثورة كان بالإمكان استيعابها ضمن مسار التعاون والحوار الذي يخرج المذهبية من دائرة الفعل السياسي لأن كل الأنظمة الاسلامية نوائح مستأجرات للنوح على الاسلام وليس فيها النائحة الثكلى ،
  6. ولكن المنظومة الخليجية باشرت الحرب الاستباقية ضد مشروع إيران الجديد من خلال الحرب التي خاضها (صدام حسين ) بالوكالة عنهم ثم راح هو نفسه ضحيتها لأنه لم يكن أكثر حظا من الذين قادوا الحرب الأفغانية باسم الجهاد ولكن بتدريب أمريكا وتمويل الخليج.
  7. وعندما قام ما أسماه أنصار الثورة المضادة (بدولة الإخوان المسلمين في مصر) ولمع بريق انتشارها فيما بعد الربيع العربي ترأست المنظومة الخليجية مرة أخرى كل الصراع وتحالفات مع إسرائيل ومع إيران لإسقاط الإخوان المسلمين في اليمن ومصر وتونس وغزة ومنعهم من الوصول الى الحكم في غيرها من الدول.
  8. وعلى نفس المنوال فتحت المنظومة الخليجية خلال السنوات الأخيرة حربها على (الشيعة والتشيع) واتخذت الشيعة عدوها الأول وشيطانها الأكبر، وقابلها جهلة ومتعصبي الشيعة بما أورى لهب الصراع المذهبي الذي كان حصان طروادة في حرب الوكالة أيضا بالمنطقة الاسلامية عموما والعربية خصوصا لأنها الوعاء الجغرافي للصراع الحضاري حول (القدس وفلسطين).
  9. لقد كانت المنظومة الخليجية وراء انهيار (المشاريع التحررية ) في الأمة ورغم أن حروب المنظومة الخليجية كانت دائما تأتي باسم الاسلام سواء التي ضد المسلمين او غير المسلمين فالحرب ضد الالحاد في افغانستان  كانت باسم الاسلام ،  ونموذج حربها على (التيار القومي ) كان مستهدفا بمسلميه وغيرهم .الا انها كانت حروبا مصلحية ضد اجزاء الامة الاخرى لم تتجه بعد الملك الشهيد فيصل رحمه الله ضد الكيان الصهيوني ابدا ، ولا يزال بعض قياديي حماس فيما يشبه الاقامة الجبرية بالمملكة الى اليوم
  10. و اما حربها الاخرى فكانت باسم اهل السنة والجماعة ، واحمد بن حنبل وابن تيمية ، وهي التي كانت ضد (التيار الصوفي) أو التي ضد (الإخوان) ثم هي اليوم تقود حربا جديدة ضد (الارهاب) باسم (التحالف الإسلامي)، ولان الارهاب كالماء يأخذ لون الاناء الذي يكون فيه فستكون الحرب اولا  في اليمن، وربما بعدها على ايران ، وربما على ليبيا ، وربما على مالي ،ولم لا على البوليزاريو حسب شركاء التحالف
  11. وللأسف الشديد أن المشاريع النهضوية لم ترتبط بمثل هذه التحالف بل كان أصحاب دول المشاريع النهضوية يقعون في ردود الفعل الحمقاء والمتهورة. وللأسف أيضا أن كثيرا من مشاريع التحرر لم تنخرط في معركة الأمة المركزية والمصيرية إلا بمقدار ما يخدم مصالحها وحساباتها الضيقة باستثناء مرسي الذي دفع حكمه وحريته ثمنا لذلك.
  12. واهم ضحية للتطورات الحاصلة في المنطقة هو القدس والقضية الفلسطينية ومشروع المقاومة الذي اخذ ابعادا كبرى بعد العصف المأكول وحاولت بعض الانظمة الخليجية ان تدعم الحرب على غزة للقضاء على حماس في اطار حربها الشاملة على الاخوان المسلمين ، واعلنت الحكومة الاسرائيلية ان لها اصدقاء وقفوا معها في الحرب على غزة
  13. والمنظومة الخليجية تتلاقى مع الإسرائيليين تماما في الحرب على المنطقة ولا يستبعد أن نرى الطائرات الصهيونية تقصف المفاعلات الإيرانية في أول اشتعال لفتيل الحرب لأن العلاقات الإيرانية الأمريكية لا تريدها إسرائيل إلا ضمن تفوقها الاستراتيجي.
  14. ورغم ذلك فدولة إيران لم تتحمل من (القضية الفلسطينية) إلا بالقدر الذي يتناسب مع مصالحها الخاصة، بل لم يعد هناك بينها وبين الموقف الخليجي أي اختلاف في استراتيجية التخلي عن دعم (المقاومة) إلا في الخطاب الاعلامي التبريري لمواقف التولي يوم الزحف عن الجهاد في فلسطين بما يدخلهم في زمرة ” لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم “.

إن نذر (الحرب العالمية الثالثة) في المنطقة أصبحت اليوم واضحة ؛ فالسعودية وإيران تتصارعان حول التمثيل الحصري للقوى الدولية في المنطقة والحرب بالوكالة عنها.

والسعودية بإغراقها (سوق النفط) كانت تريد قهر إيران ومن في فلكها أو من على شاكلتها من الدول بحرب استباقية لأنها تعلم جيدا أن إيران على مقربة من التحكم في سوق الطاقة عبر تحالف النفط العراقي الإيراني والغاز الإيراني الروسي.

وقديما قال رئيس دولة تضررت من اغراق السوق النفطية : ” إن الحرب لا تعني الدبابات والمدفعية والسفن فقط . فقد تأخذ أشكالاً أخرى أقل ظهورا وأكثر عدوانا مثل زيادة انتاج البترول واستخدام التخريب والضغوطات لاستعباد أمة ”

وفي القمة العربية ببغداد ذات عام قبل غزو الكويت قال صدام لمنظومة الخليج كلمتين تتكرران الى الان لانهما تعكسان استمرار الممارسات القديمة بالحرب بالنفط والتحالفات الغريبة فبعض دول الخليج مستمرة في الحرب الاقتصادية مع كل حصار او نزاع في الامة

  1. ” إنهم يستخرجون كميات هائلة من البترول مما يساعد على الابقاء على أسعارها المنخفضة . وكلما انخفض سعر البرميل دولاراً واحداً، نخسر بليون دولار في السنة. فأنتم في الواقع تشنون حربا اقتصادية على بلادي “.
  2. ” إنني اشكر الإمارات على موقفها الإيجابي منا . لكنني احذركم من إنني لم انس إطلاقا شحنات الأسلحة والاعتدة العسكرية التي شحنت من دبي إلى إيران خلال الحرب . وسوف يأتي يوم الحساب ” .

 

ومن يومها بدأت سلسلة الانهيار التي ضربت منظومة الدفاع العربي واضعفت المنظومة الامنية للامة كلها ثم بدأت اليوم المرحلة الثانية من حملة تدمير هذه المنظومة التي بدأت تنهار شيئا فشيئا منذ تفكيك جيوش كل من اليمن وسوريا والعراق وليبيا، وقد تحول الجيش المصري الكبير إلى مقاولة كبيرة متعددة الخدمات، فهل حان الآن الدور المبرمج لتفكيك الجيش السعودي والإيراني على حد سواء، ومتى يكون الدور على الجيش الجزائري والمغربي؟

 

10703888_859361997431885_819783388421866598_n

اترك تعليقًا