النقد الأسري في إطار المحبة

النقد الأسري في إطار المحبة

44129

تحتاج الأسرة المسلمة إلى ممارسة النقد الذاتي والنقاش الحر في أوضاعها وشؤونها المختلفة، ومسوّغ النقد هو تلك الفجوة الأبدية بين ما نفعله على أرض الواقع، وبين ما يجب أن نفعله، حيث لا تستطيع أي أسرة أن تقول: إنّ أوضاعها على ما يرام، وإنّها لا تشكو من أي مشكلة.

النقد داخل الأسرة يكون للأوضاع العامّة للأسرة، ويكون من فرد من أفراد الأسرة لفرد آخر، أمّا على الصعيد الأوّل، فإنّ على الأبوين أن يشجعا الأطفال على ممارسة النقد الموضوعي المهذب، فالأسرة في الأصل هي مركز تدريب على اكتساب مهارات الحياة المختلفة.

هذا ولد في المرحلة الابتدائية يقول لوالدته: كلّما دخلت إلى غرفة وجدت الأنوار مضاءة والمكيف في حالة عمل، وليس فيها أحد، وهذا إسراف وتبذير للكهرباء، وهذه بنت في المرحلة الثانوية تقول لأبيها: إنّنا صرنا نتساهل في الاستيقاظ لصلاة الفجر حين تكون مسافراً، حيث إن معظم من في البيت لا يستيقظون إن لم تقم أنت بإيقاظهم، وهذا طفل يقول لأُمّه: نحن صرنا نتأخّر كثيراً في السهر، وهذا أدى إلى أنّني مع إخوتي صرنا ننام – أحياناً – أثناء الحصص الدراسية…

إنّ ترحيب الأبوين بنقد الصغار هو الذي يشجِّعهم عليه، ولا يصح أن يتوقّف الأمر عند الترحيب، بل لابدّ من مناقشة ما يقولونه والاستفادة منه.

أمّا نقد أحد أفراد الأسرة لفرد آخر، فهذا يحتاج لشيء من الانتباه، وذلك لأنّ العلاقات الأسرية في حدودها الدنيا متينة جدّاً، أمّا في مستوياتها العليا، فإنّها هشة جدّاً، حيث إنّ كلمة غير موزونة أو جارحة يوجّهها الرجل لزوجته، أو توجّهها المرأة لزوجها، أو توجّهها أخت لأخيها… يمكن أن تعكر القلوب شهراً، وحين تكثر الكلمات من هذا النوع، فإنّ حياة الأسرة يمكن أن تصبح بائسة وكئيبة.

إذا لاحظ أحد الأبناء شيئاً غير ملائم على أحد إخوته، فإنّ عليه أن يفكِّر في طريقة إبداء الملاحظة، وأن يختار الوقت والتعبير المناسبين، وقد يستشير والده في ذلك، ويكون الرأي أن تحدث الأُم أو الأَب الولد بذلك الشيء عوضاً عن الابن.

أحياناً تكون الملاحظة على أحد الأبوين، وحينئذٍ فقد يكون من الأنسب أن يفاتحه به شخص كبير (الولد الكبير أو الزوج..) في كلّ الأحوال، فإنّ على الناقد مهما كان موضوعياً ومحقاً في نقده أن يحرص على صفاء العلاقة بينه وبين مَن ينتقده؛ لأنّ الناقد إذا لم يكن حريصاً، فإنّ الخسارة قد تكون أكبر من الربح، ولدينا الكثير من الأمثلة التي أدّى فيها النقد غير الموزون إلى تجافي أفراد الأسرة وابتعادهم عن بعضهم، مع عدم وجود أي إصلاح للخلل.

اترك تعليقًا