بسم الله و الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه و من والاه
أيها الحضور الكريم مع حفظ الالقاب و المقامات نحييكم من خلال هذا اللقاء.
فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ومن خلالكم نحيي شهداء الثامن ماي 1945 وكل الشهداء من بعدهم الذين حققوا احلامهم.
لان احداث ماي 45 هي احداث اسست في كل الوطن، لثورة شعبية سلمية، واعطت للعالم اجمع صورة متقدمة عن قوة السلمية في التأسيس للنصر ،واكدت على ان اختيار الشهادة طريقا للتحرر هو اعظم الطرق لإقامة الشهادة على الناس.
ولعل هذا المعنى هو الذي فهمه المحامي دوغول قبل ان يكون رئيسا للجمهورية الرابعة عندما اشتكى عنده مبعوث جبهة التحرير عام 56 من جرائم الجيش الفرنسي فأجابه دوغول بقوله “لا حق لكم في الشكوى ما دمتم قد اخترتم طريق الموت فستنالون استقلالكم” .
اننا نعتقد ان حياة الحرية والعزة والاستقرار، والنعم التي عاشها الشعب الجزائري؛ انما هي نتيجة لجهاد واستشهاد الملايين من ابائنا عليهم رحمة الله ، والذين يتطلب منا جميعا اليوم الوفاء لهم، بان نحمي الجزائر والوحدة الوطنية ، والاستقرار الوطني ، ونحمي ثوابت الشعب ودينه ولغته وثرواته التي استشهد من اجلها الشهداء، ونؤمن مستقبل اجيالنا ونعمق ارتباطها بالوطن وقضاياه الاساسية.
أيها السادة
إننا نعقد اليوم اجتماع المجلس الوطني، الذي يجمع أهم اطارات الحركة من كل ربوع الوطن، ومن شتى الاختصاصات التي يتشكل منها الرجال والنساء والشباب والكبار؛ ليكون رحم الرؤى و التخطيط ،و يكون مهد المشاريع والمواقف ، وفضاء التأهيل والتطوير ، ويكون بوابة العمل من اجل الوطن والأمة ، وتحقيق النفع العام للناس في أبعاده، السياسية والقيمية، والاقتصادية والاجتماعية، المادية والمعنوية بعون الله .
أيها السادة
ان اجتماعنا هذا هام لأنه ينعقد في ظل ظروف هامة بالنسبة للبلاد ، والمؤشرات الكثيرة؛ تجعلنا نقول بان الجزائر تحتاج من ابنائها الى يقظة ووعي ، وحرص على المصلحة الوطنية ، وتوسيع لدائرة الحوار ، والانتباه من الاجندات الخارجية التي لم يتوقف مسلسلها من حادثة المروحة التاريخية الى حادثة صور الفيس بوك الاخيرة .
ونعتقد ان الهجمة الاعلامية الأخيرة على الجزائر؛ إنما هي تعبير عن استمرار الاطماع في ثروات هذا الوطن، وهي صفة قديمة في نهج النفاق، ذكرها الله تعالى في القرآن الكريم حين قال:
“فإن أعطوا منها رضوا وان لم يعطوا منها اذا هم يسخطون”
وستظل هذه الأطماع قائمة مستمرة، سواء حكم زيد او عمرو، او أي حزب او اي اتجاه، لأن الجزائر التي نراها نحن وطنا لشعب سيد؛ لا يرون فيها الا المطمورة المملوءة بالأرزاق التي تسيل لعابهم باستمرار.ويعتبرونها غنيمة لهم.
ايها السادة
ان الجزائر تستقبل تغيرات كبيرة؛ تفرضها المنظومة الدولية من جهة ، وتفرضها التحولات الإقليمية من جهة أخرى ، وتفرضها اكراهات الزمن من جهة ثالثة ؛ خصوصا في ظل الأزمة المالية الخانقة، وعودة الإرهاب في منطقتنا .
وإذا كانت الدول التي دخلت الفتن، قد وصلت اليوم الى حالة المراجعة والتراجع عن الحل الامني، فنسال الله لها الهداية الى طريق الصلح ” والصلح خير “.
وان الواجب علينا ان نأخذ منها الدرس جيدا، لأننا لا نريد للجزائر ان تكون في الحال التي اصبح عليها العراق، ولا اليمن، ولا سوريا، ولا ليبيا ولا الصومال، ولا افغانستان، ولا مصر ولا مالي، وفي كل هذه الدول دروس لأولي الالباب تتعلق بضرورة الوعي :
1- الوعي بالوطن والوطنية، فإن الأوطان يجب ان تتقدم مصالحها على المصالح الطائفية والحزبية والمذهبية ،فالوطن فضاء للجميع ليس من حق أحد ان يحتكره، أو يختصره في نفسه و مصالحه الضيقة.
2- انه الوعي بالتدخل الأجنبي و اجنداته الذي يبقى عندنا مرفوضا، مرفوضا مرفوضا، وكما قال الشيخ عبد الحميد بن باديس رحمه الله واسكنه فسيح جناته “لو قالت لي فرنسا قل لا اله إلا الله ما قلتها”.
وكما قال بن تيمية رحمه الله في حرب المغول، وولاء بعض الناس لهم، قال :”اذا رأيتموني في صفوفهم وعلى راسي العمامة فقاتلوني مثلهم”.
وهل نالت ليبيا و اليمن الا الخراب من التدخل الاجنبي عربي كان او غربي، كما ان التدخل الاجنبي عربي او غير عربي في العراق وسوريا، هو اساس تقسيمها وتدميرها وتهجير شعبها .
3- انه الوعي بالنعرات الطائفية والمذهبية، وتقسيم الأوطان حسب الأعراق، هذا عربي وهذا غير عربي فبعد ان كان الخليج اسلامي اصبح يسميه هذا بالفارسي و هذا بالعربي، ونحن هنا نقول في ذكرى تأسيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ما كان يقوله الامام بن باديس رحمه الله “ان ما جمعته يد الله لا تفرقه يد الشيطان ” ولذلك فان تمكين مبادئ الاسلام في النفوس، هو سر وروح الانسجام الاجتماعي في الجزائر و سر قوتها.
4- انه الوعي بحرية الاعلام وتعدديته، فالدول التي كان اعلامها قويا، استطاع ان يصمد في وجه التحديات، و لقد لعبت الصحافة الوطنية المناضلة من اجل الحق والحقيقة، دورا هاما في حماية الوطن واستقراره واستمراره.
و اليوم و في رحاب اليوم الاعلامي للصحافة وحرية التعبير؛ نجدد ترحمنا على شهداء القلم في جزائر الثورة، وفي ايام العشرية السوداء، لا اعادها الله أيامها بعد نامت فتنتها لعن الله من يوقظها، ونرسل تحياتنا وتأييدنا لكل قلم حر في الجزائر اولا، وفي العالم كله ثانيا.
5- انه الوعي بالتعددية النقابية التمثيلية، التي تدرك المخاطر المحدقة بالبلد، والتي هي اساس الجبهة الاجتماعية الهادئة، والمساهمة في بناء الوطن لان العمال هم صمام الامان، والنقابات الديمقراطية هي روح وصوت العامل، ونصرة العمال مسؤوليتنا جميعا.
وعلى الحكومة الانخراط الجاد في مسعى التهدئة العام، والابتعاد عن الاستفزازات والمواقف غير المدروسة.
و إننا في حركة البناء الوطني نراهن على الإطارات النقابية لتكريس الاستقرار، والوقوف مع الجزائر اليوم كما وقفت بالأمس ضد الارهاب وازمات الضغوطات المالية فالوطن سفينة في بحر التحديات و في خرقها هلاك الجميع.
6- انه الوعي بالحرص على منظومة تربوية وطنية، ثوابتية متقدمة ،وبالمناسبة ندعو إلى تفعيل القانون التوجيهي للمنظومة التربوية لعام2008؛ الذي لا يزال صالحا لاستيعاب الاصلاحات في ظل احتياجات الوطن، والحرص على كل مكونات القطاع، وعلى راسها التلميذ والاستاذ، وتطوير المناهج في ظل حماية مصداقية المدرسة الوطنية و تطويرها، وهو ما يقتضي الحوار بعيدا عن الطموحات الخاصة، فالمنظومة التربوية ملك للأمة لا للحكومة، وهي وجه من وجوه نوفمبر، التي لا ترتهن في الأشخاص.
7- انه الوعي بالديمقراطية والشفافية والنزاهة التي تعطي للمواطن ثقة في دولته وتتيح للدولة شرعية كاملة للمؤسسات، وحاضنة شعبية للبرامج والخيارات .
ولو اختار العراق وسوريا الديمقراطية والتعددية، لكان امامهما خيارات اخرى غير الفتن والانقسامات، والدمار والحروب والارهاب، ولو اختارت ليبيا الديمقراطية لما وصلت الى ما هي عليه.
وعلى الجزائر ان تقطع الطريق على الاجندات الخارجية، بان تواصل العمل لترقية الممارسة الديمقراطية، وإقامة مؤسسات تعكس حقيقة خيارات الشعب، وتكرس التعددية في الواقع، وليس على الأوراق والنصوص فقط.
8- انه الوعي بتأمين منظومة الأمن القومي، فالخلاف على السلطة لا يجيز ابدا تدمير المقدرات الاستراتيجية للدولة، وضرب مؤسساتها الاستراتيجية.
فالامن القومي يتأسس على أمن الحدود و وحدة الوطن وأمن المواطنين، وأمن الاقتصاد وأمن القرار، وتأمين السيادة، وتأمين المستقبل، من خلال تأمين الجمهورية في ظل الوحدة الوطنية.
9- انه الوعي بالاستقرار والعافية التي اصبحت بالنسبة للعديد من الشعوب؛ مطلبا بعيد المنال، في ظل الدمار الحاصل في دولها.
وبالمناسبة نذكر ان الصراع على اعمار غزة بين جهات وشركات معروفة الولاء، عطل عملية الإعمار إلى اليوم.
اما اليوم فقد أصبحت الجغرافيا العربية كلها تحتاج إلى إعمار بعد الدمار في دول الحروب، والشلل التنموي في غيرها من الدول.
ولعلنا نذكر هنا؛ بضرورة الانتباه إلى البنى التحتية للأوطان لم تأت عبثا، وإنما هي تراكم عشرات السنين ودر من قال: “ولـو كان ألـف بان خلفهم هـادم كـفى”
10- انه الوعي بإيقاف التقسيم الذي تريد سايكس بيكو الجديدة ان تعيده لنا، واننا لنعلم ان الظروف التي دفعت اليها امتنا، اصبحت مسهلة لبرامج التقسيم في مشرق الامة ومغربها، وان التقسيم انما نواجهه بالوطنية الصادقة، ورباط الاخوة والتضامن، الذي كان سائدا في الشعب ايام الثورة.
فالعالم يتجمع علينا ولا يجوز لنا ان نكون ضحايا مخططاته التفتيتية، التي استعمرنا بسببها عقودا طويلة، ويريد ان يعود اليها من جديد، ولكن سيجد بإذن الله في رجال الامة وشباب اوطانها، جدارا مانعا وحصنا منيعا ” وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ” ” وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا ” صفا واحدا كالبنيان المرصوص.
ايها السادة
ان حركة البناء الوطني لا تزال حريصة على تمتين الجبهة الداخلية، عبر تقارب كل القوى الوطنية والسياسية بما يضمن مصلحة البلاد، ومواجهة التهديدات المحدقة في الراهن المضطرب، من خلال رفع منسوب الوعي بالوطنية لدى كل المواطنين ، وان الحركة تجدد التزامها الوطني مع كل المخلصين في الدفاع عن السيادة والرموز الوطنية، أما م حملات الاستهداف للوحدة والاستقرار.
وان الحركة تجدد من هذا المنبر وكل منبر متاح وقوفها المستمر مع فلسطين، ودعوة الامة الاسلامية الى تحمل مسؤوليتها تجاه الارض المباركة والمرابطين فيها، دفاعا عن الاقصى و نيابة عن الامة كلها.
واننا ندعوا بالمناسبة كل القوى الفلسطينية الى الاسراع في ترتيبات المصالحة الفلسطينية والوقوف صفا مرصوصا الى جانب الانتفاضة المباركة ، واننا هنا لا ندعو الكيان الصهيوني الى اطلاق سراح الاسرى لأننا لا نعترف بالغاصبين وانما ندعوا المقاومة الى تخليص اسراها باسر جنود العدو، والثبات امام هجماته المختلفة، و ان جنود العدو يفضلون الاسر على الموت لانهم يحبون الحياة و قد عرفوا حسن معاملة المقاومة لشاليط.
وقد قال الله عز وجل:
إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ
فبعد الدمعة تكون الابتسامة و بعد البداية المظلمة تكون النهاية المشرقة كما قال الشيخ احمد حماني رحمه الله.
كما اننا نختم كلامنا بالقول ان الامة كلها مدعوة في هذه اللحظة التاريخية، الى المصالحات الوطنية، فطريق الاحتراب نهايته الاضعاف و الفناء والتمكين لأعداء الامة و على رأس الاعداء الكيان الصهيوني
ايها الاحبة
كم نحن مسرورون بأعمالكم و مبادراتكم عبر الولايات والبلديات ومع المواطنين وفي الاسر والفعاليات ، ومع الطلاب و الاخوات ، ومع الرجال والنساء ، وفي ميادين الشباب كلها من الابداع، الى نصرة فلسطين، الى مؤتمرات الشباب.
فهنيئا لكم اعمالكم و وصيتنا بالإخلاص لله فانه سر النجاح، وعليكم بأخلاق الرجولة فانه كما قال الاولون ” إن الرجال سر حياة الأمم ومصدر نهضتها”، وإن تاريخ الأمم جميعاً إنما هو تاريخ من ظهر بها من الرجال النابغين اقوياء النفوس والإرادات.
وإن قوة الأمم أو ضعفها إنما تقاس بخصوبتها في إنتاج الرجال، الذين تتوفر فيهم شرائط الرجولة الصحيحة التي تشمل الجنسين الرجل و المرأة.
إن الرجل الواحد في وسعه أن يبني أمة إن صحت رجولته و مروءته، وفي وسعه ايضا أن يهدمها اذا فقد شروط الرجولة و المروءة و توجه الى ناحية الهدم.
شكرا لكم ايها الاحبة
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته