الجزائريون وذكرى نكبة فلسطين… 15 ماي 1948-2016

لقد كان ألم النكبة على نفوس الجزائريين كبيرا، وهم تحت وطأة الاستعمار الفرنسي ، وزيادة في جرحهم الغائر ، وضاعفت محنتهم في بلدهم إلى محنة أخرى في أمتهم .
و أدرك الجزائريون في وقت مبكر وهم تحت المستعمر الفرنسي ، خطر الصهيونية العالمية على الأمة والبشرية جمعاء، ذلك أن خطر فرنسا هو على الأرض والدين واللغة في الدول التي تستعمرها ، وأن الخطر الصهيوني إنما هو أوسع وأعمق فهو احتلال للأرض والمقدسات وخنجر في خاصرة الأمة وتهديد لوجودها ،وأن احتلاله لفلسطين هو احتلال لأرض يشتركون في ملكيتها ومقدسات كانوا يحجون إليها ولشعب مسلم قاسمهم الرغيف في محنتهم ، وهم يرونه يشرد لأول مرة في حياته ويطرد خارج بلده في ما سمي بعام النكبة.
ووعى الجزائريون هذه الحقائق ،فسبقت أقلامهم الكتابة عن فلسطين قبل الكتابة عن الجزائر ، وقد كتب الكاتب الصحفي عمر راسم سنة م 1909مقاله بعنوان ” استعمار فلسطين داركو يامسلمين ” وكتب عن المؤامرة الدولية على فلسطين عميد الصحافة في الجزائر ابراهيم ابو اليقضان من أيام ثورة البراق مقالا جاء فيه ” إن كل من يمعن النظر ويدقق البحث في قوادم المسألة وخوافيها ،يجد أنها ليست مسألة البراق ولا المبكى وإنما حقيقة المسألة هي في السرطان الصهيوني الناشب في غلصمة العالم ، الظاهر عوارضه الراهنة في فردوس الإسلام وجنته ومقر أنبياء الله فلسطين .”
وقد سالت دماء الجزائريين في فلسطين قبل أن تسيل في الجزائر، ولازالت نداءاتهم للوقوف في وجه المؤامرة الدولية حتى جاء قرار التقسيم، فكان جرحه على الجزائريين بالغ ،ضاعف عليهم الألم وزاد عليهم المحنة .فاستفز همتهم ،فكان أول نداء من طرف الأمير محمد سعيد ابن علي الجزائري للجهاد في فلسطين في ديسمبر 1947م ، ثم الإعلان عن تشكيل فرقة الأمير عبد القادر أسسها جمعية شمال إفريقيا التي يرأسها احمد توفيق المدني ، ثم قامت لجنة الدفاع عن فلسطين بالتحريض على الجهاد في فلسطين من خلال المهرجانات والخطب . ومع اندلاع الحرب بعد قرار التقسيم توحدت جميع التيارات والفصائل السياسية الجزائرية وشكلت “الهيئة العليا لإعانة فلسطين” برئاسة الشيخ البشير الإبراهيمي وعضوية فرحات عباس والطيبي العقبي وإبراهيم بيوض ، وقاموا بتجهيز 100مجاهد أرسلوهم إلى ميادين القتال، إضافة إلى مئات أخرى تمكنوا من تجهيز أنفسهم ،وعلى الصعيد الدبلوماسي شكل الشيخ البشير الإبراهيمي “لجنة إعانة فلسطين”، وقام بمراسلة الجامعة العربية والهيئات الدولية ودعاهم إلى مساندة الشعب الفلسطيني، وكتب نداءه المشهور” أيها العرب إن قضية فلسطين محنة امتحن الله بها ضمائركم وهممكم وأموالكم …وليست تنال بالهوينا والضعف ولا بالشعريات والخطابات ،وإنما تنال بالتصميم والحزم والإتحاد القوة…إن الصهيونية وأنصارها مصممون،فقابلوا التصميم بتصميم أقوى منه ، وقابلو الإتحاد باتحاد أقوى منه .
وكونوا حائطا لا صدع فيه وصفا لا يرقع بالكسالى ”
ولبى الجزائريون النداء ونفروا إلى الجهاد في فلسطين ،وشقوا الطرق الوعرة عبر الجبال والسبخ الملحية في طريق خط تبسة بن قردان بتونس إلى طرابلس متخفين عن طائرات العدو الفرنسي الذي كان يتبع خطواتهم ، حتى اخضرت جلودهم من الملح، ومنهم استشهد من شدة العطش والحر الشديد ومنهم من واصل الطريق حافيا ، ومنهم من تنقل مدسوسا عبر الشاحنات التي تحمل الطين ، ومنهم من انتقل عبر البواخر إلى ميناء بيروت ليلتحق بأماكن التدريب بلبنان.
كما قام الجزائريون في بلاد المهجر بجهد كبير في الوقوف ضد المروجين للصهيونية ،من خلال الدعاية المضادة وإفساد التجمعات لهم ،يشهد لهم بذلك الدكتور توفيق الشاوي في مذكراته حين يقول ” لقد اعتمدت أساسا في تجمعاتي على المسؤولين الممثلين للأحزاب الثلاث ، حزب الشعب الجزائري ، وحزب الدستور التونسي ، والإستقلال المغربي ،أما الجمهور فكان من الجزائريين في عمومه فكانوا يحضرون بالألاف ”
كل هذه الحماسة والجاهزية والإصرار من الجزائريين كان على وعي وإدراك بأن فلسطين أرض الإسلام وفيها ممتلكاتهم وأوقافهم كحي المغاربة وقرية عين كارم ، وفيها عالمهم المشهور أبي مدين الغوث الذي مازالت يده مدفونة هناك ، وفيها مقدساتهم التي كانوا يحجون إليها كل عام ، وكان يعتبرون “أن من حج ولم يزر المسجد الأقصى ويتبرك برحابه الطاهر حجه ناقص ”
وفيها ثأرهم مع اليهود الذين تحالفوا مع المستعمر الفرنسي من عصابات الهاقانا الصهيونية ونكلوا بالجزائريين ، بعد ما أكرموهم وأسكنوهم بحارات خاصة بهم ،حين فروا من محاكم التفتيش عقب سقوط الأندلس، فلم يجدوا منهم إلا الغدر والخيانة ، وكانوا يعتبرون أن جبهة التحرير خطر على اليهود
كما لهم دين للفلسطينيين الذين ساندو الشعب الجزائري وبعثوا بالتبرعات التي كانت تجمع في المدارس الفلسطينية . وإيوائهم الجزائريين الذين فروا من بطش الاستعمار الفرنسي .
وكانوا يعتبرون أن جهادهم في فلسطين استعدادا وتدريب لهم أيضا لقيادة ثورة ضد المستعمر الفرنسي ، وكان ذلك فعلا ، إذ أن كثيرا من مفجري الثورة التحرير كانوا من المتطوعين في فلسطين .
ولازالت حرقة الجزائريين وشوقهم ليوم نوفمبر فلسطين ويوم تحرير فلسطين يتوارثها جيل بعد جيل بإحساس واحد ولغة واحدة أن الجزائر لن يتم استقلالها حتى استقلال فلسطين كل فلسطين .
الأستاذ . بن سالم عبد الحميد
رئيس لجنة فلسطين بحركة البناء الوطني
palestine

اترك تعليقًا