شهر كريم مبارك أظلَّنا، فأهاج مشاعر الهداية والإيمان، وهتف بنا إلى الطاعة والعبادة والإحسان. فهو تقدمةٌ لشهر رمضان المبارك، وتمرينٌ للأمة على الصيام والقيام وصالح الأعمال؛ حتى يذوقوا لذَّة القرب من الله تعالى، ويستطعموا حلاوة الإيمان، فإذا أقبل عليهم شهر رمضان أقبلوا عليه بهمَّة عالية، ونفس مشتاقة، وانكبُّوا على الطاعة، وانعكفوا على العبادة.
النبي يكثر من الصيام في شعبان:
اشتُهر عن النبي صيامه في شهر شعبان، وأن صيامه في شعبان أكثر من صيامه في غيره؛ فعن أمِّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- قالت: “ما رأيت رسول الله استكمل صيام شهر قط إلا رمضان، وما رأيته في شهر أكثر صيامًا منه في شعبان”.
ذكر الإمام الشوكاني رحمه الله تعالى: “ولعل الحكمة في صوم شهر شعبان أنه يعقُبه رمضان، وصومه مفروض، وكان النبي يُكثر من الصوم في شعبان قدر ما يصوم في شهرين غيره؛ لما يفوته من التطوع الذي يعتاده بسبب صوم رمضان”.
وقد ذكر الحافظ ابن رجب الحنبلي -رحمه الله تعالى- في بيان حكمة إكثار النبي من الصيام في شعبان: أن شهر شعبان يغفُل عنه الناس بين رجب ورمضان؛ حيث يكتنفه شهران عظيمان، الشهر الحرام رجب وشهر الصيام رمضان، فقد اشتغل الناس بهما عنه فصار مغفولاً عنه، وكثير من الناس يظن أن صيام رجب أفضل من صيامه؛ لأن رجب شهر حرام، وليس الأمر كذلك، فقد روت السيدة عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: “ذُكر لرسول الله ناسٌ يصومون شهر رجب، فقال: فأين هم من شعبان؟”.
وفي قوله: “يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان”.. دليل على استحباب عمارة الأوقات التي يغفل عنها الناس ولا يفطنون لها، كما كان في بعض السلف، يستحبون إحياء ما بين العشاءين (المغرب والعشاء)، ويقولون: هي ساعة غفلة. وكذلك فضل القيام في وسط الليل؛ حيث يغفل أكثر الناس عن الذكر؛ لانشغالهم بالنوم في هذه الساعة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:” إن استطعت أن تكون ممن يذكر الله في تلك الساعة فكن”. وفي هذا إشارة إلى فضيلة التفرُّد بذكر الله تعالى في وقت من الأوقات، قلَّ من يذكر الله فيه.
والمعنى الآخر للحكمة ما عبَّر عنه النبي في حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما: “وهو شهر تُرفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، وأحب أن يُرفع عملي وأنا صائم”.
وذُكر في صوم شعبان معنى آخر، وهو أن صيامه كالتمرين على صيام رمضان؛ لئلاّ يدخل في رمضان على مشقة وكلفة، بل يكون قد تمرَّن على الصيام واعتاده، ووجد بصيام شعبان قَبْلَه حلاوة الصيام ولذته، فيدخل في صيام رمضان بقوة ونشاط.
هذا موسم من مواسم الطاعة، وفرصة من الفرص الذهبية التي تُتاح لعشاق الجنة الذين يتوقون إلى رفقة سيد المرسلين، ما أجمل التسابق بين أفراد الأسرة في طاعة الله، وما أطيب التعاون بينهم على البر والتقوى والعبادة والطاعة، لا سيما في هذا الشهر الكريم.
فضائل شهر شعبان
