المعاصي وتأثيرها على الصيام…. – من كتاب “فقه الصيام” لفضيلة الشيخ يوسف القرضاوي.

الصيام عبادة تعمل على تزكية النفس، وإحياء الضمير، وتقوية الإيمان وإعداد الصائم ليكون من المتقين، كما قال تعالى: (كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون) ؛ ولهذا يجب على الصائم أن يُنَزِّه صيامه عما يجرحه، وربما يهدمه، وأن يصون سمعه وبصره وجوارحه عما حرم الله تعالى، وأن يكون عفَّ اللسان، فلا يلغو ولا يرفث، ولا يصخب ولا يجهل، وألا يقابل السيئة بالسيئة، بل يدفعها بالتي هي أحسن، وأن يتخذ الصيام درعًا واقية له من الإثم والمعصية، ثم من عذاب الله في الآخرة ولهذا قال السلف: إن الصيام المقبول ما صامت فيه الجوارح من المعاصي، مع البطن والفرج عن الشهوة.
وهذا ما نبهت عليه الأحاديث الشريفة، وأكده تلاميذ المدرسة النبوية. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الصيام جنة، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب – وفي رواية: (ولا يجهل) – فإن امرؤ سابه أو قاتله فليقل: إني صائم، مرتين ” (متفق عليه عن أبي هريرة).
وقال عليه الصلاة والسلام: ” من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه ” (رواه البخاري في كتاب الصوم). وقال: ” رب صائم ليس – له من صيامه إلا الجوع ” (رواه النسائي وابن ماجه عن أبي هريرة، ورواه عنه أحمد والحاكم والبيهقي بلفظ ” رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش”).
وكذلك كان الصحابة وسلف الأمة يحرصون على أن يكون صيامهم طُهرة للأنفس والجوارح، وتَنزُّهًا عن المعاصي والآثام.. قال عمر بن الخطاب: ليس الصيام من الشراب والطعام وحده، ولكنه من الكذب والباطل واللغو. وقال جابر بن عبد الله الأنصاري: إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب، والمأثم، ودع أذى الخادم، وليكن عليك وقار وسكينة يوم صومك ولا تجعل يوم فطرك ويوم صومك سواء..
ومن أجل ذلك ذهب بعض السلف إلى أن المعاصي تفطِّر الصائم فمن ارتكب بلسانه حرامًا كالغيبة والنميمة والكذب، أو استمع بأذنه إلى حرام كالفحش والزور، أو نظر بعينه إلى حرام كالعورات ومحاسن المرأة الأجنبية بشهوة، أو ارتكب بيده حرامًا كإيذاء إنسان أو حيوان بغير حق، أو أخذ شيئًا لا يحل له، أو ارتكب برجله حرامًا، بأن مشى إلى معصية، أو غير ذلك من أنواع المحرمات، كان مفطرًا.
وقال العلامة البيضاوي: (ليس المقصود من شرعية الصوم نفس الجوع، والعطش، بل ما يتبعه من كسر الشهوات، وتطويع النفس الأمارة للنفس المطمئنة، فإذا لم يحصل ذلك لا ينظر اللّه إليه، نظر القبول، فيقول: ” ليس للّه حاجة ” مجاز عن عدم قبوله فنفى السبب وأراد المسبب والله أعلم).
إن الصيام في رمضان خاصة فرصة للتطهر من آثام أحد عشر شهرًا مضت، فمن صام صيام المؤمنين المحتسبين، كان جديرًا أن يخرج من الشهر مغفورًا له، مطهرًا من الذنوب، وخصوصًا الصغائر التي يقترفها الإنسان في مصبحه وممساه، ومراحه ومغداه، وقد يستخف بها مرتكبها، ولا يدري أنها إذا تكاثرت عليه أردته وأهلكته.
ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مُكفرات ما بينهن، إذا اجتنبت الكبائر” (رواه مسلم عن أبي هريرة). وقد مر بنا الحديث المتفق عليه:” من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه”.
فمن لوث صيامه بالمعاصي في سمعه وبصره ولسانه وجوارحه، فقد أضاع على نفسه فرصة التطهر، ولم يستحق المغفرة الموعودة، بل ربما أصابه ما دعا به جبريل عليه السلام، وأمن عليه النبي صلى الله عليه وسلم:”من أدرك رمضان فلم يغفر له، فأبعده الله” (رواه ابن حبان في صحيحه عن الحسن بن مالك بن الحويرث عن أبيه عن جده، وقد ثبت نحوه من حديث أبي هريرة وكعب بن عجرة).QARADAWI

اترك تعليقًا