للأسرة المسلمة دور كبير في إعطاء الأيام الرمضانية رونقاً خاصاً من خلال التخطيط والتنظيم على اغتنام فرصة الشهر الفضيل، لأنه من أعظم نعم الله تعالى على عباده المؤمنين، فهو شهر تتنزل فيه الرحمات، وتغفر فيه الذنوب والسيئات، وتضاعف فيه الأجور والدرجات، ويعتق الله فيه عباده من النيران، قال النبيّ صلى الله عليه وسلّم: “إذا دَخَلَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أبوابُ الجنَّة، وَغُلِّقَتْ أبوابُ جَهَنَّم، وَسُلْسِلَت”.
وهذا شهر لا يتكرر إلا كل عام.. ومن يدري هل سندركه مرة أخرى؟ أم يكون هذا هو اللقاء الأخير الذي ننعم به؟ إنه الشهر الذي قال ربنا عز وجل عنه: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}.
وعلى الأسرة المسلمة الفرح بقدوم الشهر الكريم، فلقد كان الصحابة يتطلعون إليه، قبل أن يحل بستة أشهر كاملة، يدعون الله عز وجل أن يبلغهم رمضان وليلة القدر التي هي خير من ألف شهر والعبادة فيها تتجاوز الثمانين عاما، غير أن الاستعداد لهذا الشهر الفضيل يختلف من شخص لآخر، فالبعض يبتهجون لأنه أتيحت لهم فرصة إدراك هذا الشهر الكريم الذي هو شهر التوبة والمغفرة والعتق من النار فيجهزون أنفسهم ويعدونها للعبادة والطاعة والتزود من الهدى والتقوى، فيما آخرون لا يرون في رمضان إلا شهر تسلية وتكاسل عن العمل وأكل وشرب، ويضيعوا فرصة ربما لا تأتيهم مرة أخرى، ونذكر الأسرة بأهم ما يجب عليها مراعاته لاغتنام بركة الشهر الفضيل:
– استحضار النية لكل فرد من أفراد الأسرة، والتوبة قبل أن يحل شهر رمضان، من كل الذنوب، صغيرها وكبيرها، ما كان منها في حق الله، وما كان منها في حق العباد.
– تهيئة النفس على التقوى، كما يقول الأستاذ سيد قطب رحمه الله، هي شفافية في الضمير.. تلك الشفافية التي يستشعرها الصائم، فهي الزاد الذي يتزود به المسلم على الصيام والقيام وتزيد من قدرته على التعبد في الشهر الفضيل، وتبعده عن الوهن والضعف الذي يصيبه من ضغوطات الحياة التي أصبحت جزءا لا يتجزأ من حياتنا اليومية.
– التسامح والتجاوز عن هفوات الآخرين يعيد للقلوب مشاعر المودة الصافية، ومشاعر الرحمة، والتجاوز عن الزلل، والتماس العذر لمن يشاركنا الحياة.
– الاستعداد البنّاء بين أفراد العائلة لإدارة الوقت واغتنامه في التعبد وتلاوة القرآن، وذلك بوضع برنامج تعبدي واقعي لكل عشرة أيام حتى تصل لأقصى درجة في العشر الأواخر من رمضان.. تلك الليالي المباركة التي نترقب فيها ليلة القدر.
– مراعاة الميزانية المالية في الاستعداد للشهر الفضيل، وعدم تحميل العائلة فوق طاقتها من الأعباء المالية في تقديم الوجبات باهظة التكاليف للدعوات الرمضانية على موائد الإفطار.
– الشعور بمعاناة الفقراء والمحتاجين، وألا تجعل الأسرة من شهر رمضان مأكلة ومشربة؛ إذ إن كثرة الطعام والشراب تقسي القلب وتضعف الجسم عن القيام بعبادة الشهر الفضيل، وبخاصة والأمة الإسلامية تعيش في ضنك التشرد من بلادها هربا من ظلم الإنسان للإنسان، فالمسلمون جسد واحد وعلى كل مسلم الشعور مع أخيه المسلم في أرجاء العالم كافة، ولا ننسى شكر الله على نعمة الأمن والأمان في بلدنا الغالي العزيز على قلوبنا.
– على أرباب الأسر إخراج زكاة أموالهم في هذا الشهر الفضيل، والشعور بغيرهم من إخوانهم المسلمين وإدخال السرور إلى قلوبهم، والاهتمام بأعمال الخير الواسعة والمتنوعة، لأن الأجر مضاعف لهم.
– على الأسرة المسلمة بذل الجهد لتربية أبنائها على أسس إيمانية في الشهر الفضيل، فلا يبقى الوالدان مشغولين في العبادة وترك أبنائهما يجلسون أمام التلفاز والسهر عليه حتى ساعات الفجر، فعليهم إشراك أبنائهما في العبادات الرمضانية، واصطحابهم إلى المسجد، وتخصيص وقت لمدارسة آية أو حديث، وإشراكهم في المسابقات الرمضانية.
– التعاون بين أعضاء الأسرة في الخدمة والمساهمة في أعباء ومسؤليات موائد الشهر الفضيل، حتى تستطيع النساء في الأسرة ممارسة العبادات الرمضانية بنشاط.
وبشّر خير البرية، رسول الله صلى الله عليه وسلم، بفوز المخلصين في الصيام، فقال: “من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه” (متفق عليه).
“اللهم بلغنا رمضان، وأعنّا على الصيام والقيام، وفرج هموم المسلمين في كل مكان ببركة الشهر الفضيل”
الأسرة المسلمة في رمضان
