دور الشباب في صناعة نهضة الأمة

AKEF

بقلم :محمد مهدي عاكف المرشد العام السابق لجماعة الإخوان المسلمين
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد..
فإن فتَياتِنَا وفتْيَانَنا هم عُدَّةُ المستقبل، ومعقِدُ الأمل في النهوضِ بأمتنا، والخروجِ بها من التخلُّف والتقهقر، إلى الرقيِّ والتقدم، متى قمنا بواجبنا معهم في التربيةِ الصحيحةِ على الإيمانِ الصادقِ، والنفسِ الفاضلةِ، والخلُقِ الساميِ النبيلِ، وإيقاظِ الشعور الحي، الذي يسوق شباب الأمة إلى الذَّود عن كرامتِها، والجِدِّ في استردادِ مجدِها، وحمايةِ دينِها وأرضِها، واستخراجِ كنوزِها، وتطويعِ مواردِها، واستغلالِ خيراتِها، وتجاوُزِ كلِّ عقبةٍ تحُولُ دون تحقيقِ هذا الهدف، وتَحَمُّلِ كلِّ عنَتٍ ومشقةٍ في سبيلِ الوصولِ إلى هذه الغاية.
وذلك هو الغرضُ الأول الذي يرمي إليه الإخوان المسلمون، حتى تستردَّ الأمةُ مجدَها وكرامتَها, وتسترجعَ قيادتَها وسيادتَها, وتُعيدَ إلى العالمِ الإنسانيِّ ما فقَد من خيرٍ وهدايةٍ, وما خسِرَ من سعادةٍ وصلاحٍ؛ لأن الله عز وجل قضى ألا تقومَ الدعواتُ والأفكارُ إلا على قوةِ الشبابِ.
فهذه سيرةُ النبي صلى الله عليه وسلم وسِيَرُ المصلحين تنبِّئنا بأن الشبابَ هم أهلُها وناصرُوها.
الشباب عماد النهضات

شبابُ الأمة هم مصدرُ قوتِها, وصُنَّاعُ مجدِها, وصِمامُ حياتِها, وعنوانُ مستقبلِها, فهم يملكون الطاقةَ والقوةَ وشيئًا من الفراغ والرغبة، وبخاصةٍ الطلابُ الذين انتهت امتحاناتُهم، والشبابُ الذين قعدت بهم الظروفُ العامَّةُ عن تحصيل الوظائف والأعمال المناسبة، وحين يمتلك أهلُ الرأي والحكمة في الأمة مشروعًا إصلاحيًّا صادقًا وصحيحًا ومنسجمًا مع عقيدة الأمة وتاريخها وحضارتها، ويقدِّمونه لهؤلاء الشباب؛ فإنهم يندفعون بحماسة لحَمْلِ هذا المشروعِ والدفاعِ عنه، والسيرِ به نحو التحقيقِ والتمكينِ.
وهذا ابْنُ عَبَّاسٍ يخبرنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يَوْمَ بَدْرٍ: “مَنْ فَعَلَ كَذَا وَكَذَا وَأَتَى مَكَانَ كَذَا وَكَذَا فَلَهُ كَذَا وَكَذَا”، فَتَسَارَعَ إِلَيْهِ الشُّبَّانُ، وَثَبَتَ الشُّيُوخُ عِنْدَ الرَّايَاتِ.. الحديث (النسائي والبيهقي)
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: “ما آتى الله عز وجل عبدًا علمًا إلا شابًّا، والخيرُ كلُّه في الشباب” ثم تلا قوله عز وجل: ﴿قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ﴾ (الأنبياء: 60)، وقوله تعالى: ﴿إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آَمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى﴾ (الكهف: 13)، وقوله تعالى: ﴿وَآَتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا﴾ (مريم: 12).
ولذلك كان من أولويات دعوتنا الإصلاحية المباركة: الاهتمام بالشباب، وكان من خصائصها: شدة الإقبال من الشباب من كل مكان على دعوة الإخوان؛ يؤمن بها ويؤيدها ويناصرها, ويعاهد الله على النهوض بحقِّها والعمل في سبيلها.
المؤامرة على الشباب المسلم

في الوقت الذي يفتقِد فيه كثيرٌ من شباب الأمة القدوةَ الحسنةَ في المجالات المختلفة؛ فإن هؤلاء الشباب يتعرَّضون لمؤامرة كبيرة، متعددة الوجوه والأشكال والأساليب، تنفِّذها فئةٌ متسلِّطةٌ على كثير من مقدَّرات الأمة ومنابرها الثقافية والإعلامية والتربوية، تتعاون مع أعداء الإسلام في ترويج الأفكار المنحرفة، والمذاهب الباطلة، والدعوات المضللة، والأفلام الماجنة الفاجرة، والمخدّرات المفسدة، وغير ذلك من ألوان الترف العابث، وأصناف التفاهات الفارغة.
وأسباب الفساد المستشرية؛ بقصد إضعاف الأمة الإسلامية وتليين دفاعاتها، وتحطيم مناعتها، وضياع مالها ورجولتها، وقتل شهامتها، وإفساد عقول شبابها، وتشكيكهم في دينهم ومنهاجهم، والحيلولة بينهم وبين المُثُل العليا التي يزخر بها تاريخهم البعيد والقريب، وتربيتهم على الميوعة والإهمال، واتباع الهوى والشهوات، وعدم الاكتراث بأمور الأمة، وهم يعملون على أن يميلَ الشباب ميلاً عظيمًا عن الهدى إلى الضلال، وتضيعَ أوقاتُهم وطاقتُهم هدرًا في غير مصلحة دينية ولا دنيوية؛ حتى تتم السيطرة عليهم، ويسعَوا لأن يكون همُّ أحدهم أو إحداهن مظهرًا فارغًا أو أكلةً طيبةً أو ثيابًا أنيقةً أو مركبًا فارهًا أو وظيفةً وجيهةً أو لقبًا أجوفَ، وإن اشترى ذلك بحريته، وإن أنفق عليه من كرامته، وإن أضاع في سبيله حق أمته، وبذلك تستمر الأمة في التأخر عن مصافِّ الأمم المتقدمة، ويتغلَّب عليها الخصوم ويقهرها الأعداء.. إنه سعيٌ حثيثٌ لمسخ الهُوِيَّة ومحو الخصوصية، وتخدير شباب الأمة، وإفساد أخلاقهم، فضلاً عن اقتيادهم بذلك في الآخرة إلى النار والعذاب الأليم، والعياذ بالله.
مؤامرةٌ تدور على الشباب
ليعرض عن معانقة الحراب
مؤامرةٌ تقول لهم تعالوا
إلى الشهوات في ظل الشراب
مؤامرةٌ مراميها عِظام
تدبِّرها شياطين الخراب
دور المجتمعات الإسلامية نحو الشباب

ليكن معلومًا أن المجتمعات الإسلامية تحتاج إلى بذل طاقات عظيمة لإحياء الإيمان في نفوس الشباب، وإشعار المسئولين عن الشباب، من الآباء والأمهات والمدرسين والدعاة والمثقفين والإعلاميين والقادة السياسيين، بضرورة التعاون وبذل جميع الجهود والطاقات في صرفِ شباب الأمة عما يضرُّ بدينه وأخلاقه وصحته، وصرف طاقاتهم فيما يفيد الأمة، ونرى أن السبيل لذلك يتمثل فيما يلي:
أولاً: تربية الشباب على العيش في ظل رسالة سامية، وتحصينهم بالعلم والإدراك، وبثّ روح الوعي لِمَا تنطوي عليه تعاليم الإسلام في النفوس، ولِمَا ينبغي أن يكون عليه الشباب من استقامة واعتدال، وفق منهاج الإسلام؛ لكي يؤدُّوا ما ينتظرهم من مهمَّات جسيمة، في خدمة دينهم ووطنهم وأمتهم، وإنني أدعو الجامعات العلمية والمؤسسات الرسمية والأهلية والجماعات المهمومة بحاضر الأمة ومستقبلها أن تُولِيَ هذا الأمر اهتمامَها، وأن تُعنَى بتربية شباب الأمة ورجالها على التفكير الواعي، والتصدِّي الجادِّ لكل ما يُبَثُّ من مكرٍ، وإدراكِ ما يراد بأمة الإسلام من سوء، وليكن عنوان تثقيف الشباب ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ (التوبة: 119) ﴿وَلاَ تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ. الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ﴾ (الشعراء: 151، 152).
ثانيًا: العمل على توفير البدائل الجيدة التي تملأ الفراغ، الذي يدفع الشباب إلى السقوط في الانحرافات الأخلاقية، وهنا أدعو مراكز الشباب والهيئات الرياضية الحكومية والأهلية، والهيئات والأندية الاجتماعية، والجمعيات الخيرية على امتداد عالمنا الإسلامي، إلى تنظيم الدورات العلمية والمهنية النافعة للشباب، وإشراكهم في المناشط العملية المختلفة، حتى يعتادوا المشاركة، ويشعروا بقيمتهم ورسالتهم في الحياة.
ثالثًا: فتح المجال أمام الشباب للمشاركة وعرض الرؤى في مشروع نهضوي إصلاحي متكامل، يستوعب طاقاتهم، وتتحقق به أمانيهم، وتُستَغَلُّ فيه أعمارهم وأوقاتهم، وبذلك يعتادون الإيجابية، ويغادرون اللا مبالاة والسلبية التي طبعت حياة معظم شبابنا، وهنا أدعو المفكِّرين والمحللين السياسيين، وأناشد هيئات الثقافة والجماعات والجمعيات ذات الصلة بتنمية الوعي والرأي طرْحَ الأفكار ومناقشةَ الشباب والاستماعَ إلى آرائهم، وتنمية مهاراتهم، ليشاركوا في حلِّ مشكلات الأمة، ويأخذوا زمام المبادرة في النهوض بها.
رابعًا: إنَّ على علماء الأمة الموثوقين أن يجتهدوا في ربط شباب الأمة بهم، والاستماع لهم، وكسر حاجز النفرة بينهم وبين شباب الأمة، واسترجاع ثقتهم المفقودة، من خلال ممارسة دور إيجابي فاعل في قيادة الصحوة وترشيدها، من خلال صدعهم بكلمة الحق، وتحذير الشباب والأمة من كل المظاهر المنافية والمصادمة لشريعة الله سبحانه؛ ففي ذلك حفظٌ لوحدة الأمة وطاقاتها وشبابها، وتجميعٌ لها لمواجهة الأخطار المحدقة بها.
أقول: إن على العلماء دورًا كبيرًا في احتضان الشباب، وتلمُّس احتياجاتهم العلمية والتربوية، وإشباعها بالعلم الصحيح والتربية الجادَّة، مصطحبين تقوى الله فيما يأتون ويذَرون ويُفتون ويوجِّهون، وبغير هذا سيبحث الشباب عمن يستغل حماسهم، ويستوعب قدراتهم في غير إطارها المشروع، وقد أخذ الله الميثاق وأكد العهد على العلماء في كل ملَّة أن يبيِّنوا الحق ولا يكتموه: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ﴾ (آل عمران: 187) ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاعِنُونَ* إِلا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾ (البقرة: 159- 160).
يا معشر العلماء المربين.. إن تربية شباب الأمة على العزة والشجاعة والجِدِّ والعمل مسئوليتكم، وأنتم أهلها وأحق الناس بها.
خامسًا: على قيادات الأمة في مختلف المجالات وعلى كل المستويات؛ أن تُسنِد إلى الشباب بعضَ المناصب والمسئوليات، مع إعطائهم الصلاحيات التي تجعلهم يتحركون في حرية واختيار؛ إعدادًا لهم، وتنميةً لملكاتهم، وتفجيرًا للكامن من طاقاتهم، مع إتاحة الفرصة لهم للالتقاء بالشيوخ والكبار، والاستفادة من خبرتهم، والاقتباس من تجاربهم؛ حتى تلتحمَ قوة الشباب مع حكمة الشيوخ، فيُثمرا رشادًا في الرأي وصلاحًا في العمل، ولله درُّ عمر بن الخطاب الذي كان يتخذ من شباب الأمة الواعي المستنير مستشارِين له؛ يشاركون الأشياخ الحكماء في مجلسه، ويشيرون عليه بما ينفع الأمة.
أَوَمَن يُفكِّرُ فِي الصُّعُودِ
كَمَنْ يُفَكِّرُ فِي النُّزُولْ
مَنْ يَبتَغِي هَدَفًا بِغَير
الحَقِّ يَعيَا بِالوُصُولْ

اترك تعليقًا