إلى عشاق الحق و حراس الفضيلة

73344_4873826
د. إبراهيم التركاوي

يا عشاق الحق ، وحرّاس الفضيلة ، يا من اجتباكم الله لدينه , وشرفكم – من دون الناس – بحمل رسالته .. يا من عناكم الله – عز وجل – بقوله : ” وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ.. ” [الحج: ٨٧] ؛ أنتم أشرف الناس ، وأعلى الناس ، وأغلى الناس , وأعز الناس .
• فأما كونكم أشرف الناس :
فمن في الناس , نسبه كنسبكم , وكرامته ككرامتكم , وشرفه كشرفكم ..؟! .. إن اعتز الناس بأنسابهم , وافتخروا بألقابهم.. فقد انتسبتم لله بتقواكم , وللسماء بطهركم. فأصبحتم ملائكة الأرض , يباهي الله بكم ملائكة السماء !
لله دره من نسب ، رفع بلالا – في الدنيا والآخرة – مكانا عليا , وهو حبشيّ , ورمي أبا لهب , في النار – بعد ما ذمَّه في الدنيا – , وهو قرشيّ . !
من يضارعكم – نسبا وشرفا – بعد قوله تعالي : ( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ.. ) [الحجرات : 13] .. وكأني بالشاعر, قد عناكم بقوله:
قوم يخالجهم زهو بسيدهم .. والعبد يزهو علي مقدار مولاه!
• وأما كونكم أعلى الناس :
من في الناس , أعلى منكم قدرًا ؟! وقد رفع الله بالإيمان قدركم , وبالقرآن ذكركم , وبهدي النبي – صلي الله عليه وسلم – خُلقكم ..(وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ) [الزخرف:٤٤] .. ” لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ” [الأنبياء:١٠]
فأنتم الأعلون بإيمانكم , وأنتم الأعلون باتباع كتاب ربكم , وأنتم الأعلون بالسير علي خطى نبيكم – صلي الله عليه وسلم – .. إن استعلى الناس بقيم الأرض, فقد استعليتم بقيم السماء !
ألم يقل الله لموسي – وهو في موطن التحدي والمواجهة مع فرعون وجمعه , مذكرا إياه بما عنده, وليس عند غيره – : ” قُلْنَا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الأَعْلَى”؟! [طه: 68]
وقال لنبيه – صلي الله عليه وسلم – ومن معه من صحابته الكرام – رضوان الله عليهم – بعد ما مسهم القرح في أُحد, مذكرا إياهم بما عندهم, وليس عند غيرهم – : ” وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ “؟! [آل عمران: 139]
• وأما كونكم أغلى الناس :
فمن في الناس , يقوى علي شرائكم ؟ ومن يستطيع أن يساوم علي بيّعكم ؟ ! إن هانت علي الناس أنفسهم, فباعوها – بثمن بخس – بمنصب تافه , أو بلقب أجوف , أو بدنيا غيرهم ! , فقد غاليتم أنتم بأنفسكم , فلا يقوى أحد علي شرائكم , سوى الذي خلقكم !
فأنتم سلعة الله الغالية ، بعتم لله – ولله وحده – ، ونقدكم الثمن ( الجنّة ) ، بعد ما أمهرتموها : النفس والمال ! ” إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ” [التوبة: 111]
وكأن لسان حالكم ومقالكم يردد مع القائل :
بعنا النفوس, ولم نخسر ببيعتنا .. شيئا, فإن مليك الملك شارينا
أين هذا السمو , ممن قال الله – عز وجل – فيهم : ” أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرُوُاْ الضَّلالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ “؟ [البقرة: 16]
ألا , ما أبعدَ البون.. بين مَن باع لله ، فربح الدنيا والآخرة ، وذلك هو الفوز العظيم ، ومَن باع – أو بتعبير أدق : بيع – لغيره ، فخسر الدنيا والآخرة ، و ذلك هو الخسران المبين . !
• وأما كونكم أعز الناس :
فمن في الناس أعز منكم ؟ وعزتكم – لامن حزب ولا من سلطان – من عزة الله .. ( وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ )المنافقون٨ .. ” مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا ” [فاطر: 10]
يا له , من عز ! , وقد ضمكم الله إلي جانبه , وأضفى عليكم من عزته.. فعظم الخالق – جل جلاله – في أنفسكم , فصغر ما دونه في أعينكم .. وأيقنتم , أن كل متكبر بعد الله , فهو صغير , وأن كل متعاظم بعد الله , فهو حقير..
وما عز المسلمون – ولن يعزوا – إلا بهذا اليقين , وتلك العقيدة .. ولله در الفاروق – عمر بن الخطاب – حين قال : نحن قوم أعزنا الله بالإسلام , فمهما ابتغينا العزة في غيره , أذلنا الله . !
اجعل لربك كل عزك يستقر ويثبت .. فإذا اعتززت بمن يموت فإن عزك ميت
ياعشاق الحق, لكم الأسوة في نبيكم , وقد رباه ربه , علي أن يغالي بما عنده , وألا يلتفت إلي ماهو دونه.. ” وَلقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ,لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ” [الحجر : ٨٧-88]
يا أشرف الناس , وأعلى الناس , وأغلى الناس , وأعز الناس .. إن فَرِح الناس بالحياة الدنيا وزينتها ، وتشبثوا بها ، وقاتلوا عليها .. فقولوا لهم ، كما قال الله تعالي لنبيه – صلي الله عليه وسلم- ومن معه من الصحابة – مبينا لهم أن الفرح الحقيقي يكون بما جاءهم من الله من موعظة وهدي ، وليس من المال وأعراض الحياة : ” قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ” [يونس: 58] .. أو كما قال سليمان لملكة سبأ – وقد أرسلت إليه بهدية لتنظر ماذا يفعل؟ ! – : “فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ ” [النمل: 36]
يا عشّاق الحق ، ويا حرّاس الفضيلة ، إنّ ما أكرمكم الله به من كريم الخصال ، وما حباكم به من عظيم السجايا ، تحملكم علي الرحمة بالنّاس والشفقة عليهم ، والتواضع لهم وخفض الجناح ، والسعي في خدمتهم ، والتفاني من أجل راحتهم وسعادتهم ، أسوة بمَن خاطبه ربه بقوله تعالي : ” فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ” [آل عمران: 159] .

اترك تعليقًا