الحركة الإسلامية والمشاركة السياسية

عبد الحميد بن سالم

BENSALEM
لا شك أن سنوات الجمر الأخيرة أفرزت بصورة صارخة توجهات المجتمع الدولي ، وكشفت عن زيف الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان الذي كان يصدر للعالم العربي والإسلامي ، حكاما ومعارضين اسلاميين وقوميين وعلمانيين ، فعمل على إسقاط أنظمة عميلة حين استغنى عن خدماتها وانتهت صلاحياتها ، ثم تفرغ لحرب شاملة على الحركة الإسلامية حين وصلت الى الحكم وتكشفت قوتها ومساندتها للقضية الفلسطينية والقضايا العادلة ، وظهر برنامجها البديل الحضاري القوي .وهو اليوم يحاربها في مقتلها ويجفف منابعها . لينتهي الى إنتاج أنظمة جديدة تواكب أجندة القرن الجديد ، ما بعد اتفاقية سايس بيكو ونتائج ما بعد الحرب العالمية الثانية .ويقوم بتهيئة مجتمعات جديدة ،مجردة من قيمها ودينها وحضارتها، وتابعة بصورة مطلقة للكيان الصهيوني المحتل ، وبدأنا نرى ذلك في خطوات متسارعة وجريئة من أكبر دولتين عربيتين في المنطقة .
ولعل خطوات التصدي لهذه المخطط الرهيب مازالت تتكئ على أرضية شعبية تشبعت برؤى فكرية وتربوية وسياسية ،صنعتها الحركة الإسلامية على مدار عقود من العمل الجاد والمستمر والواسع، وصلت الى عمق الشعوب الإسلامية،لكن مع مشاركة سياسية متواضعة ،حيث كان إخفاق الحركة الاسلامية بتركيزها على العمق الشعبي وعدم تمكنها في تعميق المشاركة السياسية الفاعلة. وقد رأينا كيف أن هذا العمق الشعبي الكبير لم ينفع في التصدي للانقلاب ولم تغني المظاهرات والاحتجاجات في مواجهة حملة الاغتيال والاعتقال .
ورأينا في العراق ، حين آثرت الحركة الإسلامية مقاومة الغزو الأمريكي وزهدت في المشاركة السياسية الجادة ،والمناصب العسكرية والأمنية، فآل الحكم الى عصابات ومليشيات تحكم العراق بالحديد والنار ،تنكل بأهل السنة قتلا وتشريدا ،وترمي بهم خارج العراق الذي زعموا حمايته.
ورأينا كيف أصبحت الحركة الإسلامية في الأردن هدفا لهذه المؤامرة، وبدأ العمل بالفعل على تكرار النموذج المصري ، بسبب عزوفها عن المشاركة الانتخابية عقدين من الزمن ،وقد كانت في يوم من الأيام على رئاسة البرلمان وشريكا أساسيا في السلطة في الأردن ، فتركت المجال للحكومات المتعاقبة تتامر عليها وتنفذ أجنداتها باريحية تامة ودونما إزعاج.
وينسحب الأمر على سورية ، فلم تنفعهم الأكثرية الشعبية ولا الدعم العربي ولا العمل المسلح ، وبقي النظام متماسكا رغم ضعف شعبيته ، متمتعا بدعم اقليمي ودولي فاعل .يعمل على خنق المعارضة وإحلال شعب مكان شعب .
غير أن المشاركة السياسية في اليمن وتونس وليبيا وتركيا ، أبقت الحركة الإسلامية عاملا قويا ، وأصبحت تحديا كبيرا لم يستطع الغرب رغم محاولاته ، ودسائس عملائه أن يتجاوز هذا الفصيل من خلال إصراره على الحضور السياسي الفاعل وقوة طرحه ووضوح رؤيته وحرصه على استقرار وطنه وفاعليته على الأرض .
وأصبح التحالف العربي يخطب ود حركة الإصلاح في اليمن حتى يحقق تقدما في حربه البرية ، ليحافظ على أمنه القومي الذي أصبح مهددا بسبب سياسته الحمقاء .ولم يستطع حفتر ليبيا أن يحقق مشروعه على غرار صديقه الجنرال ، ولازال مطاردا في أطراف بنغازي رغم الدعم الكبير العربي والأوربي .
ونقلت حركة النهضة تونس الى مصاف الدول الديمقراطية من خلال مشاركتها السياسية الفاعلة ، وأصبحت مقولة رئيسها منهجا قويما حين قال ( إننا لسنا حزبا معارضا وإنما نحن حزب شريكا في الحكم والسلطة ، ومكاننا الأساسي ليس في الشوارع والمظاهرات وإنما المشاركة في تنمية وبناء الوطن ) .
فليس مكتوبا علينا أن نقف في وجه الدبابات في الشوارع وفي مواجهة الشرطة والعسكر في المظاهرات وإنما مكاننا يمكن أن يكون في الموقع الذي نوجه فيه الدبابة لأعداء هذا الوطن على الحدود ، وموقعنا في مرافقة الشرطة جنبا الى جنب في حماية أمن واستقرار الوطن .
واستطاع حزب العدالة والتنمية في تركيا من خلال اصراره للوصول الى الحكم بعد أربع انقلابات، واستماتته في الحفاظ عليه ، استطاع أن يشكل غطاءا للإسلام الذي يراد محوه في تركيا وحماية الحريات التي يراد خنقها، وتكلل حكمه في بث وعي شعبي كبير ،وصل هذا الوعي الى أفراد الجيش والأمن والمخابرات ، فكان سببا في حماية تركيا من الانقلاب الكبير ومن ورائه المؤامرة الكبرى التي حيكت لتركيا المسلمة.
وأهلت تركيا الى أدوار إضافية ، من إيواء أبناء الحركة الإسلامية ، والنازحين الفارين من جحيم الحروب ،الى ما نأمل فيه أن تكون الداعم والراعي للحركات الإسلامية المعتدلة والوطنية النزيهه من خلال تحالف إسلامي أو جامعة إسلامية ،يحفظ الأمة من خطر مؤكد بديلا عن الجامعة العربية المتهرئة
وإذا رجعنا الى الجزائر فإن خطوة التراجع عن المشاركة السياسة لصالح الانخراط في المعارضة ، كان بحسابات أنية ظرفية، أثناء فترة الثورات العربية ،زعما بالعودة الى السلطة عن طريق انتخابات يدرك أصحابها أننا أبعد ما نكون عن نزاهتها ، وأثبتت خطأها مع موجة الثورات المضادة التي حملت أجندة مرافقة لضرب الإسلام في كل مكان وتشويه العمل به وإبعاده عن الحياة السياسية والاجتماعية ، وبدأت هذه السياسة تأخذ مجراها الى حياة الناس بجرع متقطعة، بعيدا عن أعين كانت تراقب هذه المشاريع المشبوهة ، و تقف دون تمريرها مع ثلة من الوطنيين المخلصين . ليخلو الجو أمام ثلة متغربة متنفذة لتنفذ مشاريعها المدمرة لثوابت المجتمع .
ولم يبق بد إلا للعودة الى المشاركة السياسية والحضور السياسي الفاعل من خلال حضور البرامج الوطنية التي تحفظ لهذه الشعب وحدته و ثوابته . وأن يعلو أصوات المخلصين من أبناء هذا الوطن وأن نزاحم على مراكز القرار والنفوذ بالتحالف مع جميع الخيرين من أبناء الوطن من الإسلاميين والوطنيين ،حتى لا يأتي يوم لن يحتاجك الشعب في الشوارع وفي المظاهرات فقط ، وإنما يحتاجك أيضا في مراكز صناعة القرار ، ومراكز النفوذ والقوة ، فيكون لك الدور في حماية ثوابته الوطنية ، وحماية أمنه واستقراره ، وحماية احتجاجاته ومظاهراته. ولم يغن أردوغان الشعوب التي خرجت الى الشوارع وكان بالإمكان دهسها على طريقة رابعة مصر ، لولا نفوذه في مراكز القرار والقوة والحفاظ على حكمة طيلة هاته المدة .
01أوت2016
عبد الحميد بن سالم

اترك تعليقًا