في الربيع العالمي تتفتح زهرة المدائن

بقلم الأستاذ احمد الدان

الربيع الاوربي اسقط حجر السد الاول
مهما كانت اسباب ودوافع الربيع الاوربي نهاية الثمانينات فانه قد اسقط وضعا سياسيا وغير الخارطة السياسية في العالم. وانهى حقبة من زمن الصراع الدولي
. وقد كانت الشعوب اساسا في الربيع الاوربي تحررت بموجبه شعوب كانت تعاني الاحادية اكثر من ربع القرن ودفعت ضريبة غالية كانت نتيجتها ان نبتت في اوطانها اشجار الحرية.
وانعكست تلك الاحداث على الامة الاسلامية فتفاعلت شعوب منها مع الاحداث وتلمست خيوط فجر لم يكن قد حان طلوعه ولكن بوارقه لمعت في سماء الامة الاسلامية فحركت سواكنها من حدود آسبا الى شواطئ الأطلسي ، فتغيرت الكثير من معادلاتها
. وهنا كانت الانتفاضة الفلسطينية وميلاد صبح المقاومة التي غرس القسام عز الدين بذو رها وسقى السيد احمد باسين نبتها وحمل الجيل الجديد من ابناء فلسطين رايتها فلم تزدد الا علوا وسموقا رغم وحشبة الحرب وتحرك مسارات الالتفاف عليها بالتسوية واوسلو ومخرجات النظام العربي الذي اصبحت كراسيه تتشقق وعروشه تتصدع.
وقد كان الاسلام اقوى الحضور في مشهد ما بعد الربيع العربي سواء في الساحات المهجرية التي توسعت فيها هوامش حرية الفعل الدعوي والحاجة الملحة الى غذاء الروح رغم ازمات الجوع والفقر وتراجع منسوب التنمية واضطراب الاسواق العالمية تراجع اسواق النفط ردحا من الزمن

الربيع العربي سيل ملأ السدود

وبعد عقدبن ونيف من الزمن تفتقت ارض الشعوب العربية عن ربيع عربي مهما كانت دوافعه وفواعله فان مخرجاته كانت بداية مرحلة جديدة من الصراع الذي كان مكبوتا من اجل الحق والحرية ، فتغيرت خارطة العالم السياسية من جديد.
وكانت الثوات المضادة للربيع العربي عنيفة ودموية و عالمية لم تسمح البشرية بالتلذذ بعطر عدالة الاسلام الذي كان اقوى مخرجات الربيع العربي بل مزجته بادخنة الحروب و الكروب وعرق الهجرة والتشريد واتربة الدمار ودماء الابرياء.

ولكنها لم تستطع خنق الربيع ولا القضاء على حركة الشعوب رغم تنوع المكائد وادارة التوحش و محاولة فصل الدعوة عن السياسة واحداث الحرب بالوكالة والتحالف بين المتناقضات بل فتحت هوامش المقاومة لدى الشعوب وصنعت حالة من التمييز بين مكونات الساحة الاسلامية ذاتها واجلت غشاوة عن التدين المغشوش والنزعات الطائفية والعرقية النتنة.

و حاولت قوى عربية ودولية ان تجهز على غزة وتهود القدس فانبعث شباب الاتفاق ومرابطوا الاقصى ايصنعوا الفارق ويحموا بدمائهم واشلائهم قدس الاقداس واكنافها وحصن الرباط في عسقلان واطرافها ؛ بل نقلوا المعركة بالرمي المسنود والصواريخ المسومة الموسومة بتعديلات من صنعوا الرعب بالغول الحقيقي وليس بغول الاحاجي الذي اعاق جيل الجهاد.

وامسكت غزة شرف الامة بين سواعد رواحل القسام ومن خلال التربية التي انتجت الجيل السليم العقيدة المتوكل على القوي المتين، القادر على كسب سلاحة من بين انياب الوحش وفكي التنين ، النافع لامته ووطنه بقوة خلقه واتقاد فكره وذكائه.

و لقد كان ابداع المقاومة هو شمولها السياسي والدعوي والعسكري ، وقدرتها على حسن التعامل بين اكراهات المشاريع المضادة في منطقتها ، سواء اكانت علمانية لائكية ليس للدين في برامجها محل ، او كانت من المستولين على السنة المتكلمين باسمها على منابر الفتن والتفريق والولاءات المشبوهة او عبر قنوات الالهاء والمجون ؛ او كانت من الشيعة الذين الهتهم معارك الطائفية وشراهة النفوذ عن مقاصد الامة واحتياجاتها الملحة في ساحات المقاومة الحقيقية لا مقاومات الخطب والجغرافيا الضيقة . وما كان ذلك منها الا بوضوح المنهج والخروج من الولاءات الضيقة الى ساحة الشعوب التي رفعت راية فلسطين في ثورات الربيع العربي الى جنب راياتها الوطنية وقالت قولا قديما قاله ثوار نوفمبر في الجزائر وهو ان الاستقلال لا يكتمل الا بتحرير فلسطين ، وكذلك الربيع العربي بدأ هنا ونهايته بالصلاة في الاقصى ليعطي الربيع العربي لنفسه هوية اسلامية تحررية بوصلتها فلسطين ولعل ذلك سبب الحرب العالمية على الربيع العربي وعلى غزة التي اصبحت طليعة الامة في التحرير.
في الربيع العالمي تتفتح زهرة المدائن
لقد تحدث الدعاة امثال يس والنحناح و الراشد وعزة في ميادينهم المختلفة ومراحلهم المتقاربة و رغم حصار الجور والظلم ؛ عن ربيع عالمي يبرق من خلال صخرة خندق جديد يعلن انه الامل بالربيع العالمي بعد فشل الانقلاب على الاسلام الحق باسلام الضرار، كما كان صوت الرسول صلى الله عليه وسلم يصدح في غزوة الاحزاب : الله اكبر فتحت مدائن كسرى .. الله اكبر فتحت اسوار قيصر
و ان خروج بريطانيا من الاتحاد الاوربي ليس بالامر البسيط بل قال ساسة اوربا ان دولا اخرى تتجه نعو الفعل ذاته وان الاتحاد الاوربي لن يصمد طويلا وربما عجلت رعونات ساسته ضد الفطرة وضد الاديان وضد الحريات بافقاده مركزه العالمي .
وان امريكا تتجه نحو الانكفاء بخيارات ساستها الجدد وتعمل على الدوران في ساحة جشع القوى المالية وتجار الحروب وقد يدفعها الى مزيد من التخفف من اعباء الحروب و التدخل في العالم بالجيوش الى حروب الوكالة التي يشهدها العالم منذ الربيع العربي بعد ان تمرغت كرامتها ذات عام في الصومال بايدي الحفاة العراة الذين لابنيان لهم وفي افغانستان على ايدي القبائل التي اسقطت عزة الروس وسببت الثورة عليهم باسم الجهاد ومازالوا يحاربون امريكا الى اليوم ، وفي العراق حيث ارغمت المقاومة الشعبية وفوضى السلاح مارينز امريكا على الرحيل العسكري وتدفعها الان الى رحيل سياسي مخز لكبرياء العم سام
وبالرغم من عودة الروس الى ساحة الفعل في المياه الدافئة فان وحل الشام ارهق بوتن ودفعه الى الرحيل بعد اشهر من معارك الارض التي لا احد يستطيع ادارتها في ظل الاف الفصائل المسلحة ليس بينها ناظم يضبط عقارب الحرب او السلم بل ان المنطقة اصبحت غير آمنة لاي طرف ولم تفلح جهة من اطراف الصراع في اليمن ان تصنع الانتصار لان اسلحة الكبار لا تحسم في ساحات الصغار الضيقة والطير الابابيل بحجارتها الصغيرة من سجين انهت اسطورة فيل تجرأ على الكعبة اخت المسجد الاقصى ، ورب الابابيل حي قوي متين .
ولعل محاولات جر تركيا الى ساحة سوريا المضطربة ثم اسقاط الطائرة الروسية بسلاح الاتراك انما كانت مقدمات لتدمير حصن الشعب التركي بالوكالة فلما فشلت تلك السياسة كان صمت الغرب على الانقلاب في تركيا مؤذن بالتحول الجديد في السياسات العالمية وربما مؤذن بولادة الربيع العالمي الذي تتفتح فيه زهرة المدائن.
ان التغيرات العالمية الجديدة تظهر بجلاء حربا على الاسلام لانه المحرك الاساس للامة باتجاه القدس والاقصى واهم حرب هي :
– فيروس قطع الاجيال الجديدة عن اصولها بتصدير اسلام معدل مهجن لها عبر منظومات التربية والاعلام في الامة وعبر قوم من بني جلدتنا ويتكلمون السنتنا كنا في الماضي نحسبهم دعاة العلمانية ولكنهم اليوم اصبحوا نسلا من نسل كولن واشباهه وفي قطاعات المال والتعليم والدعوة ولولا يقظة اهل الدعوة واهل الجرح والتعديل لملأت موضوعاتهم دواوين سنن الاعتدال والوسطية.
– مخرجات الطائفية والعرقية التي تحولت الى عمل مسلح اصبح يهدد اصل السلمية ومشاريع التربية والاصلاح ويؤذن باستنساخ الخوارج من جديد في جسم الامة لتقسيم شعوبها قبل تقسيم اوطانها وثرواتها وافقادها حالة الوحدة في زمن افول الوحدة في الغرب وظهور مشاريع التجزئة في القارة العجوز التي اجلت افول حضارتها بالاستعمار وقد لا تستطيع اليوم تاجيلا جديدا ان ظل ورد الرابطة يجمع القلوب على محبة الله ويوحدها على دعوته ويدفعها لنصرة شرعته ويهديها سبلها الاصوب.
ان الامة التي توحدت طويلا على الدولة الراشدة والخلافة العادلة لم يبق لها اليوم الا فلشطين والقدس رباطا وثيقا لوحدتها وكلما كانت بوصلتها باتجاه الاقصى كان بامكانها تحرير مكة ايضا من آسار المذهبية الضيقة والنسك المحدود واطلاق دور جديد للحرمين في تعبئة الامة باتجاه التفاعل الافضل مع مقدمات الربيع العالمي لكي لا يعود ابرهة مرة اخرى لانه ان عاد لن يجد في هذا الوضع رجلا كعبد المطلب يدرك ان للبيت من يحميه وربما سهل على قرامطة جدد ان يسرقوا الحجر الاسود باسم راية عمية .
ان اسرائيل التي تحدث القرآن عن افولها بوعد الاخرة ، زالت مثيلاتها بعد تسعين سنة من الاحتلال للاقصى والقدس والربع العالمي لن يكون الا على تتبير ما صنعت تتبيرا ،فان حركة الشعوب الحرة ودوافع الايمان الصاعد في افئدة الشباب المسلم تبشر بتشققات الارض بعد شتاء القيم في عواصم الشعوب المسلمة وظهور نبت ورود تتقدم زهرة المدائن .

اترك تعليقًا