كلمة رئيس الحركة الشيخ مصطفى بلمهدي في افتتاح الندوة الجهوية للهيئات الانتخابية لولايات شرق البلاد بدار الثقافة لمدينة باتنة

cix
بسم الله الرحمن الرحيم
أيها الإخوة الكرام و الحضور الفاضل: القيادات الجهوية، المناضلون و المناضلات، الدعاة و الأساتذة و الإطارات، ممثلو المجتمع المدني، ضيوف الحركة، رجال الإعلام كل باسمه و مقامه. أحييكم بتحية الإسلام يوم الفوز العظيم “ادخلوها بسلام”. فالسلام عليكم و رحمة الله و بركاته.
و نقف في البداية وقفة تقدير و اجلال و ترحم و وفاء، للشهداء الابرار و القادة الاحرار، وخاصة اباء الثورة المباركة عليهم من الله الرضوان امثال: مصطفى بن بولعيد و العربي بن مهيدي وشيحاني بشير وعباس لغرور، واخوانهم الاف الشهداء والمجاهدين ، الذين اوقفوا حياتهم للجزائر رحمهم الله. و نقول للشهداء و هم احياء عند ربهم يرزقون: ان في الجزائر رجال مخلصون و نساء مخلصات سيحفظون عهدكم و يكملون مسيرتكم باذن الله، وندعو الشباب الجزائري الى اكمال مسيرة نوفمبر، و حماية الجزائر من الاخطار التي تهددها، فالشهداء كانوا شبابا و استشهدوا و هم شباب، والشباب هم بناة الحضارات في كل زمان. ايها الاحبة ان الجزائر ارض الاسلام، ومعقل العربية، و شعب الجزائر مسلم و الى العروبة ينتسب، و الذين فجروا الثورة اختاروا لها ليلة الاثنين تيمنا بميلاد رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي تحل علينا ذكراه بعد ايام قليلة. و الوفاء للجزائر و نوفمبر ينطلق من الوفاء لرسول الله صلى الله عليه و سلم، و اتباع سنته، واحياء دعوته، و نشر رسالته بين الناس. قال عز وجل: “وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ” سورة الأنبياء الآية 107 ونسأل الله عز وجل أن يحفظ هذا الوطن بأمثالكم، من المخلصين الصادقين، اللذين يعملون أكثر مما يتكلمون، ومن خلالكم نرسل التحية إلى من ورائكم من المواطنين اللذين يولونكم ثقتهم، و يستأمنونكم على الجزائر. كما أحيي تلك العائلات التي تضحي من أجل الإسلام والجزائر، وتقتطع من أعز وقتها و أقواتها من أجل النفع العام، والإصلاح الاجتماعي. إذا كان المفسدون في الأرض يهربون العملة الصعبة إلى الخارج فانتم الصالحون تهربون العمل الصالح إلى الآخرة لشراء الجنة و الفوز برضوان الله. انه. ” لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ” سورة الحشر الآية 20
أيها الإخوة الكرام نجتمع اليوم في أجواء، تتميز بتغيرات محلية وطنية، أهمها ما عكسه قانون المالية من جهة، والاستعداد للانتخابات القادمة من جهة ثانية. و نجتمع في أجواء تتميز بتغيرات إقليمية، أهمها هذا الوضع المتوتر في ليبيا، وانعكاساته على المنطقة كلها. وهذا الإنذار؛ الذي حملته مراكز الدراسات الغربية، بأن شمال إفريقيا، مقبل على موجة جديدة من الربيع العربي، الذي تحول إلى خريف طويل بقواصفه و عواصفه على الأمة كلها، وعلى المستوى الدولي؛ بهذا الاضطراب الحاصل في منطقة المشرق الإسلامي، والتغيرات المتوقعة بين القوى العظمى.
إن حركة البناء الوطني نادت كثيرا منذ سنوات، بضرورة مبادرات استباقية للازمة، التي كانت نذرها واضحة في الآفاق، ومازلنا نقول بالصوت المرفوع؛ بأن الأزمة لا تحل بالقرارات الفوقية، وإنما تحل بالمشاركة الشعبية الواسعة، التي تؤطرها الثقة والانسجام الحقيقي، بين المنظومة الاقتصادية، والقيم التي تأسست عليها الدولة الجزائرية، المتمثلة في البعد الاجتماعي والديمقراطي، ضمن الإطار الإسلامي، كما نص على ذلك مؤسسو ثورة نوفمبر المباركة . ولذلك نقول بأن الإكثار من الضرائب المثقلة على المواطنين، هو علامة إفلاس حكومي، سيؤدي بالتأكيد؛ إلى تغييرات سلبية على المجتمع والدولة. ولابد من التفكير في حكومة راشدة حكيمة، تستطيع التعاون مع المواطنين، وليس بفرض التعسف في حقهم، باستغلال الازمة التي تمر بها البلاد. وإذا كانت الجزائر غالية على شعبها، فعلى الحكومة ان تكون كذلك الجزائر غالية عليها، ولا تستغل هذه العاطفة الشعبية في الاتجاه الخاطئ، الذي قد يحول العواطف الى عواصف. وأما الانتخابات فإن حالة المشاركة العامة، التي لمسناها في الأحزاب السياسية، نعتبرها استجابة لخيار حركة البناء الوطني للمشاركة الذي هو مبدا لا نحيد عنه.
ونجدد اليوم الدعوة للشعب الجزائري بضرورة المشاركة الواسعة، من أجل حماية الفعل الانتخابي من التشويه، وقطع الطريق على المتاجرين والمقتاتين من الشرعية المنقوصة الناتجة عن المقاطعة، لان المقاطعة تفتح الطريق للتدخل الأجنبي لمساومة الأنظمة الضعيفة الشرعية لفرض مصالحه على حساب المواطن. كما نجدد الدعوة للأحزاب السياسية، الى ضرورة البحث عن النقاط المشتركة، وتفعيلها من أجل المصلحة الكبرى للجزائر، التي ستشهد سلسلة من الانتخابات التشريعية والمحلية، ثم الرئاسية خلال السنتتين القادمتين. وبالمناسبة ندعو السيد رئيس الجمهورية؛ إلى فرض حالة من الحزم و العزم؛ بإتجاه من يحاولون المساس بهذه الإرادة الشعبية و التلاعب بها، وإدخالها إلى سوق النخاسة، وتبييض الأموال والأشخاص. فإما أن تكون الجزائر في مستوى انتقال ديمقراطي يصنعه الشعب حقيقة؛ و إما أن تبقى الجزائر مرتهنة لمجموعة من اللوبيات، والاجندات المشبوهة بالفساد والتغريب.
أيها السادة إننا نعيش مرحلة سميناها من قبل، مرحلة الهزات الارتدادية لثورات الربيع العربي، وما يحدث في ليبيا نموذج مغاربي قريب منا، عن حالة غياب الدولة، واعاقة عودتها، ونهب ثروات الشعب الليبي، وادخاله في فتنة الحرب الأهلية التي طال زمنها، وهدمت من خلالها البنى التحتية، وستتنافس الآن الشركات الدولية للفوز بصفقات إعادة الإعمار، انهم يخططون للدمار، و يتنافسون على الاعمار. وهنا ندعو أشقاءنا الليبيين الى المصالحة الوطنية، التي هي الخيار الأقل تكلفة، بعيدا عن النعرات والأحقاد وتصفية الحسابات، ندعوهم الى اخماد نار الفتنة فالفتنة نائمة لعن الله من أيقضها. وبالمناسبة نشيد بدور الدبلوماسية الجزائرية، في الحرص على أن يكون الحل في ليبيا من طرف الشعب الليبي بأكمله و دون إقصاء، لأي طرف من أطرافه. كما نحيي الجيش الجزائري سليل جيش التحرير على الأدوار المختلفة التي يقوم بها، لحماية السيادة الوطنية، ومنع إنتقال مسببات الإضطراب من المحيط الإقليمي للبلاد.
وندعوا القوى الوطنية في الداخل والخارج الى التجاوب الإيجابي مع هذه الرسالة النبيلة، داعين الله أن يحفظ المغرب العربي من انزلاقات أخرى نحو المجهول، بعد الاستقرار النسبي الذي حصل و ندعوا الى استكماله. إن حركة البناء الوطني تدرك جيدا الدور المطلوب من الجزائر، وتعتبر أن ملفات الأمة في سوريا وفلسطين والعراق و اليمن؛ أصبحت رهينة لمعادلات دولية غير عادلة، ومع ذلك فان إمكانيات العمل المشترك، والبعيد عن الارتجالية والرؤى القطرية المحدودة، أصبح أكثر حتمية علينا، لان تجربة المأساة الوطنية في الجزائر ونجاح المصالحة الوطنية، محفزان لكي تكون الجزائر حاضرة في المشهد الدولي المستقبلي بشكل أفضل، سواء على المستوى الرسمي أو على المستوى الشعبي، الذي تمثله القوى الفاعلة في الأمة. لأن الجزائر -بفضل الله- أبقت نفسها في مسافة واحدة مع جميع الأطراف.
أيها السادة ان التغيرات الحاصلة في المعادلة الدولية، هي تغيرات تدفع باتجاه الحروب والتوترات و تمديدها، مما يعني المزيد من الضحايا والتضحيات، وإذا كانت اروبا أصبحت متوجسة من مجيء رئيس أمريكي يشيد بالحرب في سوريا، فمن حقنا نحن أن نخاف من هذا المستقبل المجهول، الذي يتحالف فيه أعداء الأمس على الشعوب الضعيفة لاستغلالها. ولكن يجب أن نقرأ الأحداث الدولية والمحلية بوعي عميق، في ضلال قول الله تعالى: ” وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ” سورة الأنفال الآية 30 باتنة في: 02 ربيع الاول 1438 هـ الموافق لـ 02 ديسمبر 2016م

اترك تعليقًا