نعم يستطيع المواطن

قرأتُ هذا الأسبوع في الصحافة خبرا سريعا حول حُكْمٍ قضائيٍّ أصدرتْه المحكمةُ الإداريّةُ لأمّ البواقي ضد الشركة الوطنيّة للكهرباء والغاز، يقضي بضرورة إصدار الفواتير باللغة العربيّة، بعد أن رفع ضدّها مواطنان دعوى قضائيّة، لأن إصْدارَها للفواتير باللغة الفرنسيّة مخالف للدّستور.. إنّ هذا الخبر ليس عاديا، لأنّه يحمل من الدلالات ما يمكن أن يمثّل برنامجا متكاملا للتغيير الاجتماعي..لقد سمعنا قبل هذا ملايين الجزائريين يندبون حظ اللغة العربيّة، ويضخّمون حجم المؤامرة التي تحاك ضدّها، يكرّرون ذلك في كل المناسبات، حتى استسلم الناسُ لليأس، وأصبحوا يتصوّرون أنّ استرداد اللغة العربيّة مكانتها أمر مستحيل.. والواقع أنّ المبادرة الميدانيّة لهذيْن المواطِنَيْن أهَمُّ بكثير وأنفعُ للّغة العربيّة من آلاف الكتب والمقالات التي كتبها المثقفون، وملايين الخطب التي خطبها الأئمّة والزعماء للتباكي والتهييج العاطفي حول وضع العربيّة في الجزائر منذ الاستقلال إلى اليوم!..

لقد أدرَكْتُ اليوم بالملموس معنى الحكمة القائلة “أن تُشْعِلَ شمعةً خيرٌ لك من أن تلْعَنَ الظَّلام” وأدركْتُ أنّ المواطن الإيجابيّ والفعّال يُمْكِنه أن يُغيِّرَ كثيرا من سلبيّات واقعه دون أن يُحدِثَ مزيدا من الضجيج..إنَّنَا حين نُعَلِّم أبناءنا كيف يُشْعِلون شَمْعةً، أنْفَعُ لهم من أن نَحْشُوَ أدمغَتَهم بدواوين الهجاء وقواميس الشّتيمة وأساليب إلقاء اللوم على الآخر، وغيرها من السّرديّات الكبرى التي لا تُعمِّقُ إلا السِّلْبيَّةَ والانهزاميَّةَ وثقافةَ المؤامرة، وتدفعُ الشبابَ في النهاية إلى الإحباط والحقد والمغامرة بالارتماء في أحضان متاهاتٍ خطيرة العواقب..

قياسا على الحادثة السّابقة، التي ستدخُلُ التّاريخ، لأنّها حَقَّقَتْ إنجازا ملموسا للّغة العربيّة، فإنّ المواطن إذا تحلّى بالإيجابيّة وتخلّى عن الانهزامية ومنطق “تَخْطي راسي وَتْفُوتْ” يمكن له أن يُغَيِّــــرَ، بتحضُّرٍ وَسِلميّةٍ كثيرا من الأشياء التي تبدو محْسُومةً ونِهائيّةً.. إن كثيرا ممّا يبدو أمرا واقعاً ليس له وجود إلا في نفوس المغرضين أو المتخاذلين وذوي القابليّة للهزيمة..فلا قدر محتوما إلا قدر الله.. يستطيع شبابُنا بالعمل والذكاء والمعرفة والمبادرة والحكمة أن يصنع غدا أفضل وأن يتجاوز الواقع، يستطيع أن يحقّق ذاتَه، ويستطيع أن يصنع الجوّ المناسب للنّجاح، ويستطيع أن يحافظ على خياراته إلى حدٍّ معقول.. بعضُهم يساهمُ هذه الأيّام في صناعة اليأس لدى المواطنين، فيوهِمُهُمْ أنْ لا جدوى من أصواتهم في الانتخابات بدعوى التزوير!.. وهنا نعود إلى القياس على ما أنجزه مواطنا أم البواقي، والتذكير بأهميّة المبادرة والثقة في النفس وقوّة الحضور الفاعل في صناعة واقع أفضل وحماية المكتسبات..إننا في حاجة إلى من يصنع الإرادة بدل اليأس، لأنّ الحضور أفضل من الغيّاب دائما، لقد كان شعار أوباما في حملته الانتخابيّة “نعم نستطيع” لأنّ أمَّـــتَــهُ حيّةٌ وطموحةٌ، أمّا نحن فلا نفكّر إلا بالهزيمة، حتى إذا لم نجد عندنا ما يكفي من الهزائم بَحَثْـنَا عنها عند الآخرين لنتضامن معهم!..رحم الله الشّابّي حين قال:

إذا الشَّعبُ يوما أراد الحياة… فلا بدّ أن يستجيبَ القدر.

وصدق الله العظيم إذ يقول: “إنّ اللهَ لا يُغيِّر ما بقومٍ حتى يغيّروا ما بأنفسهم”.

اترك تعليقًا