مجزرة 04 ماي الإنتخابات التشريعية

لم تأت على الجماجم والأجساد كما حصل في مجازر 8 ماي ،وقد قدم الجزائريون أرواحهم فداءا للوطن فكانت الدماء التي فجرت الثورة وحققت الاستقلال وحافظت على القيم، وإنما جاءت على القيم وعلى جيل الإستقلال يوم 4 ماي لتدمرها في نفوسهم ،وتدمر احلامه في وطن يحكمه ممثلوا الشعب الشرفاء ،وقد أخذ جرعته القوية عندما تلقى الأوامر بالتزوير المفرط ، فأخذ درسه الأول كيف يبني مؤسسات دولته الحديثة بالتزوير، واستلم وصيته من جيل الثورة كيف يواصل مسيرته في بناء مؤسسات دولته بالمال الفاسد وشراء الذمم والوعود الكاذبة وبيع الوهم .
كم تغنى الشباب أثناء الحملة الانتخابية بالوطن وأمنه واستقراره والحفاظ على قيمه وثوابته ، وكم حلم بانتخابات نزيهة وشفافة ،وكم دعا الى مشاركة واسعة ،وكم قاوم دعاة المقاطعة ،وأبدع في الترويج الى انتخابات مميزة هذه المرة على غير سابقاتها ، تشرف الوطن وتعزز الثقة وتسهم في انتقال ديمقراطي سلس بعيدا عن لغة الثورة والدماء .وربما الكثير كان يتقبل نوع من التدافع القوي والتنافس الحاد ، واستعمال المال وشراء بعض الذمم وبعض من تدخلات أجهزة السلطة ووسائلها، لكن ربما الجميع لم يكن يتوقع أن تكون مجزرة انتخابية بأتم معنى الكلمة أجهضت على مئات الألاف من الأصوات ، وأسقطت العشرات من النواب الأحرار والشرفاء لصالح من باعوا ذممهم اليوم وسيبيعون وطنهم غدا، ومن خدعوا الشعب اليوم وسيخدعون الوطن غدا.
والحديث ليس على الحزب العتيد الذي بقى الوحيد الذي يحكم في بلدنا على غرار نظرائه في الدول العربية ،كما أن الحديث ليس على الأحزاب الإسلامية بموروثها الإنتخابي منذا الإنفتاح السياسي التى ظلت تطور وعيها وتجدد ولاءها للوطن وتقدم نفسها كشريك اجتماعي وسياسي ،وتامل في انخراط واسع من أبناء هذا التيار الواسع في مؤسسات دولته ،وإنما الحديث عن هذه السلطة كيف تعي الدرس وتعتبر من التهميش لقطاع واسع من المجتمع ،الذي ستكون نتائجه وخيمة ومدمرة ،وفرصة سانحة للتدخلات الأجنبية عبر هذه الفئات المهمشة والمظلومة ، وتسرب الأفكار المتطرفة والهدامة ،وكان املنا أن تستفيد السلطة كما استفاد جيراننا .وان تعي بأن شراء السلم الاجتماعي ،والتزوير الانتخابي والفساد المالي ،عملة رخيسة وبضاعة خاسرة وسياسة مفلسة ،وان تدرك متانة الجدار الذي بنته بينها وبين هذا الشعب ،وهوة الثقة التي أحدثتها معه ،واليأس الذي بثته لدى جيل من الشباب في إمكانية إحداث أي تغيير عبر صناديق مغشوشة.

اترك تعليقًا