الخطاب الإسلامي بين التقليد والتجديد بقلم الأستاذ جمال الدين عماري

الخطاب الإسلامي في حقيقة الأمر لا يُقاس بما يحرزه المتمرِّسون بالسِّياسة من انتصارات أو إخفاقات على مستوى الاستحقاقات المختلفة سواء الرئاسية أو البرلمانية أو المحلية، لأن المنافسة السياسية في تصوُّري كلعبة كرة القدم تمامًا، قد تربح اليوم لمبررات ما، وقد تنهزم غدًا أيضًا لعوامل ما، ولا ريب أنَّ كلَّ من يعمل بأسباب النَّجاح ينجح هذا في الغالب، لأنَّ هناك استثناءات خاصَّة في عالمنا العربي، بل العمل السياسي أتصوَّرُه كالكثبان الرملية، اليوم تجد أكوام من الرمال في جهة ما، وغدًا قد تجدها في جهة أخرى وهكذا..
والمحصلة كما يقول الفلاحون عندنا(الحرثْ دْوامْ، والصَّابة عْوامْ) فاعلية الخطاب الإسلامي تُقاس بما حقَّقه أصحاب هذا المشروع من نجاحات على مستويات عدَّة على سبيل المثال لا الحصر، ما قدَّموه للإسلام من خطاب يعتبره دينًا من شأنه أنْ يُنظِّم حياة الإنسان كل حياة الإنسان، الفردية والاجتماعية، السياسية والاقتصادية.. وهذا إنجاز عظيم ينبغي أن نُثمنه وأن لا ننساه. وأنَّه خطاب لا يكتفي بالتَّركيز على الطُّقوس العقدية والتَّعبُّديَّة، بل قطعَ شوطًا كبيرًا في إبراز قيم الإسلام الإنسانية والعالمية، من حرية ومساواة وعدالة اجتماعية، قيم تُعطي للإنسان قيمة إنسانيَّة تجعله قادرًا أن يُحقق وُجوده، خطاب يأخذ بمتطلبات المجتمع وحاجاته.
خطاب يُؤسِّس لبناء مجتمع واستقرار وطن، وليس لغلبة أيِّ طرف مهما كان إسلامي أو وطني أو ديمقراطي، كُلُّنا في الأخير أبناء الجزائر، ولا مجالة للمزايدة في الوطنية أو في التَّدين أو في الحرص على التَّقدم والازدهار. خطاب لا يسعى للاستحواذ على كلِّ شيء باعتباره الأقوى والأقدر، بل خطاب تشاركي يسعى لصناعة وتحقيق رأي توافقي بين كل الأطياف والفصائل العاملة في الساحة من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار. خطاب يحترم الرأي الآخر سلوكًا وموقفًا لا قولًا فقط.
خطاب يتحمَّس لكلِّ عمل أو جُهد مُؤسَّس على علم وفهم، وليس على العاطفة والشَّطحات الصِّبيانية التي نلحظها عند البعض ممن لم يتمرَّسوا بفنون السياسة، ولم يهضموا بعد أخلاقياتها.
خطاب يرفض فرض أيَّ شكل من الأشكال على النَّاس، مهما كان هذا الشكل.
المهم أن تكون القيم العليا حاضرة، وكلٌّ منَّا يُقدِّم الشَّكل الذي يراه مناسبًا، وأن يكون نابعًا من الواقع. أمَّا منْ يرى في نفسه البديل الوحيد فهو مُخطئ وواهم، لم يقرأ واقعه جيدًا، عليه أنْ يراجع ويُصحِّح، أمَّ الذين يرفعون شعار الانعزال عن المجتمع فسيفنون أنفسهم، وسيسقطون في الطريق.
جمال الدين عماري. سدراتة.14/05/2017

اترك تعليقًا