ماكرون يتسلم الرئاسة ويعين أعضاء ديوانه

تولى الرئيس الفرنسي الجديد إيمانويل ماكرون، الأحد، مهامه رسميا في قصر الإليزيه، وأصبح الرئيس الخامس والعشرين للجمهورية الفرنسية، وثامن رئيس في الجمهورية الخامسة، وأصغر رئيس منتخب في تاريخها، وبعد مراسم تسليم السلطة إلى ماكرون، غادر الرئيس الفرنسي المنتهية ولايته فرنسوا هولاند الإليزيه، وسط تصفيق المدعوين وحشد تجمع أمام القصر الرئاسي، ورافقه رئيس الدولة المنتخب إلى سيارته، قبل أن يقف أمام باب الإليزيه مع زوجته لالتقاط الصور، وألقى ماكرون خطاب التنصيب أمام حشد من المدعوين ومئات الإعلاميين، أعلن فيه أن مهمته الأولى تتمثل “في إعادة الثقة للفرنسيين في أنفسهم”، و”تجاوز الانقسامات الداخلية”.

أكد ماكرون على أولويات ولايته الرئاسية، ومنها تعزيز مكانة فرنسا في الاتحاد الأوروبي، والعمل على إعطاء زخم جديد للاتحاد، ووعد بـ “إعادة بناء أوروبا وإنعاشها”، وقال الرئيس الشاب “نحن بحاجة إلى أوروبا أكثر فاعلية وأكثر ديموقراطية وأكثر تسييسا”، مضيفاً أن الفرنسيين “اختاروا الأمل وروح المبادرة”، واعدا بعدم التخلي عن أي من الوعود التي قطعها خلال حملته.

وجاء تشديد ماكرون على بناء الاتحاد الأوروبي عشية زيارة يقوم بها اليوم الاثنين إلى برلين، للقاء المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، في أول زيارة له إلى الخارج، وبالموازاة مع مراسم تسلم السلطة، أعلن مصدر مقرب من الرئيس الجديد تعيين ألكسيس كولير في منصب الأمين العام لديوان الرئيس المنتخب.

وكولير، الذي بلغ 44 عاما، واحد من أشد المقربين إلى ماكرون، وكان يشغل منصب مدير ديوانه عندما كان وزيرا للاقتصاد في الحكومة الاشتراكية السابقة ما بين 2014 و2016. كما أنه شغل منصب مدير مساعد في ديوان وزير المالية السابق بيار موسكوفيتشي، وأيضا تم تعيين باتريك ستروزدا مدير للديوان الرئاسي، وستروزدا رجل دولة مخضرم يبلغ 64 عاما، وهو محافظ سابق لإقليم بروتانيا، وشغل مؤخرا منصب محافظ منطقة باريس، كما تم تعيين السفير الفرنسي السابق في برلين فيليب إتيان (61 عاما) في منصب مستشار دبلوماسي للرئيس الجديد، وكان إتيان يشغل منصب وزير الخارجية في حكومة رئيس الوزراء اليميني السابق ألان جوبيه ما بين 1995 و1997. كما شغل منصب الممثل الدائم لفرنسا في مقر الاتحاد الأوروبي في بروكسل.

وعين الرئيس الشاب إسماعيل إيميليان (30 عاما) مستشارا خاصا له، وهو واحد من أهم المناصب في ديوان ماكرون الرئاسي، وايمليان هو شخصية أساسية في حلقة المقربين الضيقة لماكرون واشتغل إلى جانبه عندما كان وزيرا للاقتصاد وهو العقل المدبر لحركة “الجمهورية إلى الأمام” ومهندس حملته الانتخابية.

ومن المنتظر أن يعلن ماكرون اليوم الاثنين اسم رئيس الوزراء الجديد على أن يتم الإعلان عن تشكيل الحكومة يوم غد الثلاثاء، وسيكون أول اجتماع حكومي في ظل الرئيس الجديد، إيمانويل ماكرون، يوم الأربعاء القادم، 17 مايو/أيار، وهو ما يعني أن رئيس الحكومة الجديد سيكون معروفا قبل هذا التاريخ، وأيضا أعضاء حكومته.

لا يعرف الفرنسيون اسمَ رئيس الحكومة الجديد حتى الساعة، وإن كان مقرَّبون من ماكرون يعرفونه، ومنهم فرانسوا بايرو، الذي كادَ ظهورُ القائمة الأولى من مرشحي حركة “الجمهورية إلى الأمام”، والتي تضمنت عدداً أقل مما كان ينتظر من أنصاره، أن يعصفَ بتحالفه مع إيمانويل ماكرون.

ومنذ بضع أسابيع تحدّث الكثير من المراقبين عن اسم إدوارد فيليب. وهو النائب البرلماني وعمدة مدينة هافر عن حزب “الجمهوريون” اليميني، والمقرّب من ألان جوبيه منذ سنة 2002، بعد أن مرّ خلال سنتين بالحزب الاشتراكي، وقد عرفه الجمهور الفرنسي العريض خلال حملة الرئاسيات، من خلال مقال أسبوعي له في صحيفة ليبراسيون عن الحملة الانتخابية. فقد فضَّل العمل الصحافي على المشاركة في حملة فرانسوا فيون، التي لم تُغرِه بشيء، خاصة بعدما هزم مرشَّحه ألان جوبيه، وانتشار فضائح المرشح اليميني.

ومما يعزز فُرَص إدوارد فيليب، العلاقات الحسنة التي ربطت بين فرانسوا بايرو وألان جوبيه، ولا تزال، ومن هنا فإن اختيار رئيس حكومة يميني لفرنسا، تحت حكم رئيس “يساري” و”وريث فرانسوا هولاند”، كما يُصر اليمين كله على وصفه، رغم مقت رئيس الجمهورية الجديد لهذا الوصف وتحبيذه وصف “التقدمي، الذي لا ينتمي لليسار ولا لليمين”، سيكون عامل ثقة كبيرا لكل الذين انضموا إلى حركة “الجمهورية إلى الأمام” من اليمين. وهو أيضا نوع من التوازن يجب على الرئيس الجديد أن يحافظ عليه، في ظل استقطاب حاد لم تعرفه فرنسا من قبل.

وتبقى حظوظ هذا المقرب من جوبيه كبيرةً، وخصوصاً أن ثمة غزلا مشتركا بين جوبيه وماكرون، الذي امتدح في جوبيه “رجل الدولة”. وهو ما قد يفسّر أيضا إعلانَ فرانسوا بايرو، زعيم حزب الموديم، وقياديين في حركة “الجمهورية إلى الأمام”، أن العلاقات الودية عادت إلى سابق عهدها.

وإلى جانب إدوارد فيليب، الذي لا يُخفي وجود بعض القرابة السياسية والأيديولوجية مع ماكرون، حين صرّح قبل سنة أن إيمانويل ماكرون يتقاسم معه 90 في المائة من الأشياء، توجد مجموعة أخرى من الأسماء يستطيع ماكرون أن يختار واحدا منها رئيسا لحكومته، التي يريدها مستقرة حتى بعد نتائج الانتخابات التشريعية، ويجيء هنا اسم جان-لويس بورلو، الوزير اليميني السابق، والذي لا يزال يحظى بشعبية كبيرة، وهو المنهمك في مشروع ضخم لإيصال الكهرباء إلى عموم أفريقيا. وكان بورلو قد أعلن قبل أسبوعين، في صحيفة لوجورنال دي ديمانش، عن استعداده لدعم الرئيس الجديد بشتى الوسائل.

وفي حال أراد الرئيس الجديد اختيار امرأة للمنصب، فإنه يستطيع أن يستفيد من خدمات سيلفي غولارد، التي ساندته في الساعات الأولى بعد إعلان ترشحه، والتي تمتلك تجربة كبيرة في الاتحاد الأوروبي.

كما يستطيع أن يحقق ضربة كبيرة بتعيين القيادية في حزب “الجمهوريون” ناتالي كوسيسكو موريزي، وهي من أنصار “تشبيب” الطبقة السياسية في فرنسا، كما يأمل الرئيس. كما أنها من أشد المعادين لأطروحات اليمين المتطرف، وسبق لها أن ألّفت كتابا ضد حزب “الجبهة الوطنية”، وكانت من أشد السياسيين الفرنسيين حماسا في نصرة ماكرون في الدورة الثانية.

وقد يميل ماكرون إلى اختيار ريشارد فيراند، وهو من أشد المقربين إليه وفاءً، ومن أوائل من التحق بحركة “فرنسا إلى الأمام”، ولكن العائق، هنا، هو كونه يتحدر من الحزب الاشتراكي. وسيكون تعيينه رسالة غير مفهومة من قبل ناخبي اليمين والوسط، يمكن أن تزرع البلبلة وبعض الاحتقان.

وفي هذه المجموعة المصغرة التي يمكن للرئيس أن يختار من بينها، يوجد أيضا جان-بول ديلفوي، المسؤول عن التعيينات في حركة ماكرون، والذي يعتبر بلا جدال مهندس الأغلبية الرئاسية القادمة للرئيس الفرنسي.

وأخيرا، لا يمكن إغفال القيادي في “الجمهوريون”، برونو لومير، الذي خسر في انتخابات اليمين والوسط الفرعية بشكل مهين، على الرغم من تقديمه لبرنامج طموح لتشبيب الطبقة السياسية وتجديدها. ولا يخفي هذا السياسي رغبته في العمل إلى جانب الرئيس الجديد، كما لا يخفي استعداده لتولي منصب رئاسة الحكومة، في إطار “إعادة تكوين الخريطة السياسية في فرنسا”، أي تقريبا ما يدعو إليه الرئيس إيمانويل ماكرون.

اترك تعليقًا