بادئ ذي بدء، وقبل تقديم أيّ قراءة نقدية، أو إطلاق حكم قيمة، وحتَّى نكون منصفين وعادلين وموضوعيِّين قدر المستطاع إزاء تقييم مرحلة ما، أو إنجازٍ ما، أو حتَّى سلوكيات شخصٍ ما، ينبغي أن ننطلق في تقييمنا هذا أو ذاك من بديهيات ومسلَّمات هي من صميم عقيدتنا وثقافتنا الأصيلة ورؤيتنا الإسلامية، وإلَّا وقعنا في الشَّطط و المغالاة، وقلنا قولًا بعيدًا عن الحق والصَّواب. “وأنَّه كان يقول سفيهنا على الله شططًا.” (آ.4 الجن) لأنَّ هذه المبادئ وهذه المنطلقات هي محلُّ اتِّفاق عند الجميع. وعليه توجَّب على كلٍّ منَّا أنْ يُراعيها عند تقييمه، ومنها على سبيل المثال:
1) ليس هناك من هو فوق النَّقد، كما في قول الإمام مالك رحمه الله: ” كلٌّ يُؤخذ منه ويُرد إلَّا صاحب هذا القبر” وأشار إلى قبر النبي صلَّى الله عليه وسلم، فلا عصمة إلَّا لنبي. ورغم ذلك تجد من لا يتقبَّل النَّصيحة أو الملاحظة تُوجَّه إليه، ويعتبرها من قبيل الانتقاص منه. يعرف جيِّدًا الحديث الشريف:” الدين النَّصيحة.” يؤمن نظريًا بمقولة سيِّدنا عمر رضي الله عنه:” رحم الله امرأ أهدى إليَّ عيوبي.” لكنَّه عمليًا لا يصطبغ بها، وإذا لمَّحتَ إلى سلوك له مشين ثارت ثائرته، واشتدَّ انفعاله، وعوض أن يعترف ويشكر النَّاصح ويستدرك على زلَّاته يتمادى في غيِّه، بل قد يُكنُّ عداوة لمن ينصحه.
2) كلُّ ابن آدم خطَّاء وخير الخطاءين التُّوابون. فمنْ لم يسيء قط، ومن له الحُسنى فقط؟ الاعتراف بالخطأ دليل صحو ووعي وتواضع وقوّة في الشَّخصية، وكم من صحابي جاء لحضرة النَّبي صلَّى الله عليه وسلم يُعلن ضعفه ويُصرِّح بخطئه لأنَّه يعلم يقينًا أنَّ الصِّدق منجاة. فما بالنا اليوم يحاول الواحد منَّا أن يظهر أمام الملأ من الناس أنَّه البطل الذي لا يُشقُّ له غبار! إنَّنا حينما نقيِّم عملًا ونُشير إلى بعض الهنَّات المركتبة أثناء السَّير، فليس معنى ذلك أنَّنا نتَّهم زيدًا أو عمرًا من النَّاس، بل نقصد من وراء ذلك عدم العودة إلى اجترار مثل هذه الأخطاء مرَّة ومرَّة، المؤمن لا يُلدغ من جُحر مرَّتين.
3) ليس من أهل الفضل من لا يعترف لأهل الفضل بالفضل، لا يشكر الله من لا يشكر النَّاس، وكلُّ إنسان مركوزة فيه بذرتا الخير والشَّر، فمن غلبت حسناته سيِّئاته، وإيجابياته سلبياته فهو من أهل الخير والصَّلاح، لأن َّالإنسان الخير المطلق غير موجود، والإنسان الشَّر المطلق كذلك غير موجود. فلا داعي أن نرفض أو نُقصي أو نُشطِّب على أيٍّ كان من أهل القبلة وأهل الإسلام، أهل السُّنَّة والجماعة.
4) قد نختلف، لكن الاختلاف لا يُذهب للودِّ قضيَّة. قال تعالى:”.. ولا تنسوا الفضل بينكم..”(آ.237 البقرة)
جمال الدين عماري .
21/05/2017
“أعمالنا بين واجب النقد وواجب الفضل..” بقلم الأستاذ جمال الدين عماري
