ففروا إلى الله. .. بقلم الأستاذ جمال الدين عماري

– ففرُّوا إلى الله…
من نِعم الله على عباده المؤمنين أنْ نوَّع لهم في القربات، فكلَّما فرغوا من طاعة وُفِّقوا إلى أخرى. قال تعالى:” فإذا فرغت فانصب وإلى ربِّك فارغب “(آية 7 ،8 سورة الشرح) ولأنَّ لكلِّ عبادة عدٌّ وحد، ما إن يُنهى المرء طاعةً أو نُسكًا حتَّى يتحوَّل إلى غيرها، وهذا من فضل الباري وتكرُّمه سبحانه، فعطاؤه لا حدَّ له ولا عد. ” وإن تعدُّوا نعمةَ الله لا تحصوها إنَّ اللهَ لغفور رحيم.”(آية 18 سورة النحل) ومن كانت أنفاسه في طاعة فثمرة شجرته طيِّبة، وقد هُدي إلى صراط مستقيم. من أحبِّ الأعمال إلى الله ومن أعظمها الصَّلاة، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حزّ به أمر فزع إلى الصَّلاة، وهو يقول :” أرحنا بها يا بلال “،(رواه أبو داود) “.. وجُعلت قرَّة عيني في الصَّلاة.” فهي صلة بين العبد وربِّه، ومعراج المؤمن إلى الله خمس مرَّات في اليوم واللَّيلة، وفرارٌ إليه.
كلُّ من نخافه نفرُّ منه، إلَّا الله عزَّ وجلَّ بقدر خوفنا منه سبحانه نفرُّ إليه ، لأنَّه لا ملجأ منه إلَّا إليه، فهو الملاذ الأوحد، الذي نحتمي بحماه. “قل أعوذ برب الفلق..”(آية 1 سورة الفلق) ” قل أعوذ برب الناس ملك الناس إله الناس..”(آية 1،2،3 سورة الناس)،) ” قلِ اللهُ ثمَّ ذرهم في خوضهم يلعبون “(آية 91 سورة الأنعام) أضرعُ إلى الله، وألجأ إليه بكرة وأصيلًا وفي كلِّ حين. ” وقال إنِّي ذاهب إلى ربي سيهدين “(آية 99 سورة الصافات) أي مهاجرٌ ومسافر إليه، سفر قلوب لا سفر أبدان، وسيوفقني إلى اتِّباع طريق الرَّشاد وإلى ما يُصلح ديني ودنياي. “.. والباقيات الصَّالحات خيرٌ عند ربِّك ثوابًا وخير أملًا.”(آية 46 سورة الكهف) “ففروا إلى الله..” يفرُّ العبد من قضاء الله وقدره، إلى قضاء الله وقدره، فرارٌ ممَّا يكرهه الله ظاهرًا وباطنًا، إلى ما يحبُّه ويرضاه ظاهرًا وباطنًا، فرارٌ من الكفر إلى الإيمان، ومن الجهل إلى العلم، ومن المعصية إلى الطَّاعة، ومن الغفلة إلى الذِّكر.
قال الإمام الترمذي رحمه الله : “حياة القلوب الإيمان ، وموتها الكفر، وصحَّتها الطَّاعة ، ومرضها الإصرار على المعصية ، ويقظتها الذِّكر، ونومها الغفلة.” أحد عشر شهرًا من الغفلة، ومن التَّهافت على الدنيا وحطامها وزخارفها ومفاتنها، أحد عشر شهرًا من الانغماس في المشتهيات والشهوات وما لذَّ وطاب، وفجأة تلفظنا الفانية إلى الباقية فنصبح عظامًا نخرة، لا نستطيع أن نزيد في حسنة ولا أن نُنقص من سيِّئة، فنُحشر فنُنشر، فإمَّا إلى جنَّة يدوم نعيمها أو إلى نارٍ لا ينفذ عذبها – عافانا الله وكل المؤمنين – أليست هذه الحقيقة؟ بلا إنَّها كبد الحقيقة. فطوبى لعبدٍ اتَّقى فيها ربَّه، ونصح نفسه، فسارع وقدَّم توبته، خاصَّة ونحن على مقربة من شهر فضيل، اللهم بلِّغنا رمضان وسلِّمه لنا وتسلَّمه منَّا وقد غفرت لنا ورحمتنا وأعتقت رقابنا من النار.
يا ذا الذي ما كفاه الذَّنب في رجبٍ *** حتَّى عصى ربَّه في شهر شعبان
لقــــد أظلَّك شهر الصَّـوم بعدهـما *** فلا تصيِّره أيضًا شهر عصيــان
جمال الدين عماري 23/05/2017

اترك تعليقًا