خواطر قرآنية‬ 3: الحوار بين قوة الحجة وحجة القوة

الحوار بين قوة الحجة وحجة القوة :
الأيات 37 ,38 من سورة القصص:
(وقال موسى ربي أعلم بمن جاء بالهدى من عنده ومن تكون له عاقبة الدار إنه لا يفلح الظالمون. وقال فرعون يا أيها الملأ ماعلمت لكم من إله غيري فأوقد لي ياهامان على الطين فاجعل لي صرحا لعلي أطلع الى إله موسى وإني لأظنه من الكاذبين)
الفرعونية صفة متكررة في حياة البشر والأسلوب الفرعوني في الظلم ومصادرة الحريات والتنكيل بالخصوم لا يتبدل في اهدافه وإن تغيرت الوسائل .ومحور التفكير الفرعوني هو البحث عن مبررات استعمال القوة والبطش إذ ليس له حجة يواجه بها خصومه.وفي قصة موسى وفرعون جزئيات المنهجين .
عندما يحدث اختلاف بين اثنين حول قضية ما يشرع كل منهما في الدفاع عن رايه و إيراد الحجج لإثبات صحة رأيه .وفي هذه الحالة تتميز نوعية المتحاورين:
أ ) إذا كانا صادقين متحضرين فيرجعان إلى أسلوب الحوار يقرعان الحجة بالحجة وتتجلى فيهم صفات الحوار المتحضر ومنها :
1-محاولة توسيع دائرة الإتفاق وحصر دائرة الإختلاف .
2- الصدق في البحث عن الحقيقة .
3- الشجاعة الكافية للإعتراف بالخطأ و الرجوع إلى الحق متى تبين له .
4- حسن الإستماع والفهم والرد الجميل الهادئ الهادف.
5- تحديد مرجعية تضبط الحوار وتحدد اطاره الذي يجب عدم تجاوزه (ثوابته).
6- عدم الإنتصار للنفس وسعة الصدر لقبول الرأي المخالف .
وفي هذه الحالة يمكن التوصل إلى نتيجة تخدمهما معا وفي أسوء الحالات عند فشل الحوار يخرجان منه بقلوب سليمة وأمل في اللقاء وعهد على التعاون في دائرة المتفق عليه
ب )وإذا كان أحدهما غير متحضرين أو تنطوي نفوسهم على صفات الكذب والإصرار على الرأي في كل حال …فإنهما عوض البحث عن الحقيقة يلجآن إلى سياسة التبرير والهروب إلى الأمام .
وبالتالي ستغيب عن أجواء الحوار عقلية البحث عن حجة قوية للتمكين للحق ويحل محلها عقلية البحث عن حجج لإستعمال القوة في التمكين للرأي .
وهنا تسمى الحيلة ذكاء و الشتم جهر بالحق والفضيحة نصيحة أي تنقلب الموازين ولا يحكم المتحاورين إلا المصلحة الضيقة يسندها حب شديد للإنتصار للنفس ودافع قوي للإنتقام ولذلك يصعب الوصول إلى نتيجة إلا بالتمكين للسياسة الصفرية في الصراع.
إن التفكيرفي حجة لإستعمال القوة لتحقيق الاهداف بعد العجز في حجة الإقناع هو اسلوب لا يسلكه إلا الضعفاء والمغرورون
• اما الضعيف فيستعمله لا لأنه يعلم قدرته على الانتصار وتحقيق الهدف إذ ربما اعتقد عكس ذلك ولكن يقدم على ذلك لإرضاء شهوة التمرد واستجابة لعقد نفسية تنشأ في مثل الحالات أساسها حب الإنتقام.
• وأما المغرور الضعيف الحجة فيقدم على القوة بقصد اشباع شهوة السلطة والسيطرة ودافعه في ذلك كبر وعزة نفس يطغى بهما على الناس و يبطرالحق ويهضم الحقوق .
ولكن ماهي الحجة القوية ؟ وكيف تحصل حجج القوة ؟
إن الحجة القوية مبعثها أمران :
علم يزيل كل شبهة وإخلاص يحول دون تمكن الشهوة .
فأما العلم فهو مصدر ايراد الادلة الدامغة على صدق ما يدعي ويستند في ذلك إلى مرجعية فكرية (عقيدية) يفترض ان تكون محل إتفاق بين المتحاورين ويستند أيضا إلى واقع يملك عنه معطيات حقيقية وعلى أي حال يجب على الراغب في إيراد الحجة القوية ان يورد أدلته في هدوء تام وثقة بالنفس كاملة وواقعية تبعده عن المثالية وذكاء يسمح له بتحقيق الممكن إن عجز عن تحقيق الكل .
وأما الإخلاص والصدق فإنه شعور نفسي داخلي يجعل الإنسان صادقا في البحث عن االحقيقة مستعدا للإعتراف بالخطأ يخاف ان يسأله الله يوم القيامة فلا يجد للسؤال الجواب .
وإذا كانت الشبهات محلها العقل ودواؤها العلم فإن الشهوات محلها القلب ودواؤها الإيمان . ولا يحصل العلم والايمان إلا مجتهد قدم أسبابهما كاملة .
ولا يقوى على أسبابهما إلا قليل ولذلك كان الصراع واستعمال القوة ديدن البشر
فسبحان الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور .
وأما وسائل إيجاد حجة القوة فإنها كثيرة وقبل ذكر بعضها نورد أولا صفاتها :
1 – تخفي ورائها اهدافا قلما ينتبه لها الخصوم .
2- لا تسمى باسمها الحقيقي إلا نادرا .
3- لا يحكمها دين ولا خلق ولا عرف ولا قانون وإنما يحكمها الهوى والمصلحة الضيقة .
4- هدفها إشباع شهوة الإنتصار للنفس او الراي والإنتقام من الخصم.
5- تتلون وتتعدد بحسب الظروف والخصوم.
6- تسبقها وتتزامن معها وتلحقها حملة إعلامية تهدف إلى تعرية الخصم وتشويهه وتنفير الناس من حوله وإلحاق أكبر عدد ممكن من االشائعات به وتعمل الحملة الإعلامية على إظهار صاحبها بمظهر المظلوم المكلوم .
وأما هذه الوسائل فأبرزها:
1. الإستفزاز ،الإستدراج والظهور بمظهر المنهزم في إنتظار غرور الخصم وإحتقاره لعدوه وهي ساعة الإنتقام.
2. إيقاع الخصم في الأخطاء القانونية أو الشرعية أو العرفية حتى .
3. حملة التيئيس من أسلوب التفاهم والتحاور.
4. حمل الخصم على إتخاذ مواقف حدية لا مكان فيها لخط الرجعة والتأويل
5. إدخال الخصم في سلسلة طويلة من المعارك الهامشية والقضايا الجزائية.
ودعاة الحق يتوجب عليهم التمسك بمبدأ الحوار وبالمنهج الدعوي لا الدموي وأن يستعينوا بالله أولا ثم بالعلم والتقوى ثانيا لكي يتجنبوا الوقوع في شراك الخصوم ووسائلهم آنفة الذكر وان يتعلموا الفعل قبل رد الفعل والتخطيط المستقل لا الإرتجال المضاد وإعمال العقل لا العاطفة ونصرة الحق لا الإنتصار للنفس وأن يحفظوا عن ظهر قلب هذه المقولة :
“ما أكثر ما يُذهبُ النصرَ بوادِرهُ … بجهل او غرور او باستعجال الثمر ”
ولا عاصم إلا الله القوي المتين
“ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين ”
“إنهم يكيدون كيدا و أكيد كيدا …”
“إن الذين كفروا ينفقون أمولهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يعلبون والذين كفروا إلى جهنم يحشرون “

اترك تعليقًا