عيد الطفولة في الجزائر: الطفل الجزائري.. بين القوانين والواقع المعاش

– عمالة الأطفال ظاهرة تزيد في الشهر الفضيل

يحتفي، أطفال الجزائر والعالم أجمع، اليوم، بعيدهم العالمي، وإذ يعد هذا اليوم بمثابة العيد للبعض، إلا أنه يمثل كذلك وقفة إلزامية لتأمل واقع الطفل الجزائري، خاصة خلال السنوات الأخيرة، حيث استفحل العنف ضد

الأطفال بمختلف أنواعه حسب ما تبرزه الأرقام المقدمة من طرف مصالح الأمن كل عام، ناهيك عن عمالة الأطفال الظاهرة التي استفحلت حتى أصبحت مألوفة والتي تشهد تزايدا واضحا في رمضان.

الأرقام تتحدث عن الطفولة

أكد مسؤولون في الأمن أن التحقيقات في الجرائم المرتكبة ضد الأطفال هي الأصعب في ميدان الشرطة القضائية خاصة الاعتداءات الجنسية، حيث تبدأ بمجرد وصول الطفل إلى مصالح الشرطة مرورا بتوجيه الطفل إلى الطب الشرعي لإثبات الاعتداء، وبغية كبح ظاهرة العنف ضد الأطفال، أنشأت المديرية العامة للأمن الوطني فرق حماية الطفولة مهمتها الوقاية ومكافحة مختلف المخالفات المرتكبة على الأحداث والتي يتابعها المكتب الوطني لحماية الأطفال وجنوح الأحداث، إلى جانب آليات أخرى كالبرامج التحسيسية الموجهة للجمهور الواسع خاصة الأسرة كون أن 80٪ من الحالات المسجلة يتحملها الأولياء، بالإضافة إلى عقد لقاءات والقيام بزيارات ميدانية.

رمضان فرصة لكسب “المصروف”

وجد الكثير من الأطفال والمراهقين في نهار شهر رمضان، فرصة للبحث عن مصدر رزق بهدف الحصول على بعض النقود، ليتمكنوا من مساعدة أسرهم في توفير المصروف وشراء مستلزمات البيت أو توفير مصروفهم.

وتعج الأسواق والشوارع هذه الأيام بعشرات الأطفال الذين يتجولون لبيع بضاعتهم، في مشهد صار معتادا من طرف المواطنين، وحسب أطفال يمارسون البيع، فإنهم يبقون في الأسواق والشوارع منذ ساعات الصباح حتى نهاية النهار، ولا يعودون إلى منازلهم حتى يتمكنوا من بيع كل بضاعتهم الرمضانية عموما.

أطفال يبيعون ما صنعت أيادي أمهاتهم

يكثر الطلب خلال هذا الشهر الفضيل على بعض المنتوجات التقليدية التي تتفنن أيادي الجزائريات في إعدادها وبيعها ويأتي على رأسها المطلوع، الديول، القطايف والكسكسي.. وغيرها من العجائن التي تلقى إقبالا واسعا من المواطنين خلال هذا الشهر الكريم، فبمجرد دخول شهر رمضان العظيم يزداد عدد النسوة اللواتي يصنعن مختلف أنواع العجائن بهدف تلبية الطلب الكبير على هذا النوع من الأطعمة، ومن أجل زيادة الكسب المادي، حيث يلاحظ المتجول في الأسواق وحتى أرصفة الشوارع أنه من الصعب على المواطن دخولها أو السير عبرها، خاصة الأسواق الشعبية كسوق بلكور المعروف بـ “مارشي12” وسوق بومعطي بالحراش.

ومن أكثر السلع التي يبيعها الأطفال هي “المطلوع “، وهو ما أثار انتباهنا خلال جولتنا الاستطلاعية بسوق “مارشي 12 ” ببلكور، حيث لاحظنا عددا كبيرا من الأطفال يبيعون المطلوع الذي أصبح جد مطلوب من طرف المواطنين خاصة في هذا الشهر الكريم، حيث لا يمكن لبعض الصائمين أن يفطروا دون وجود خبز المطلوع الذي أصبح جد أساسي على طاولة الفطور في شهر رمضان، إذ أصبح ينافس أجود أنواع الخبز لأنه يفتح شهية المستهلك عند الإفطار مع إحجام النساء خاصة العاملات عن تحضيره.

وعن بيع المطلوع في رمضان، قال الطفل “مراد ” إن أمه رفقة أخواته يقمن بتحضير المطلوع بكل أنواعه من خبز فطير المطلوع العادي، مطلوع الكوشة ومطلوع الفرينة وفطير الشعير ليقوم هو ببيعها بعد صلاة العصر، وهو الوقت الذي يزداد فيه عدد المتوافدين على السوق خاصة العمال، فسعر المطلوع يتراوح بين 20 و40 دج كل واحد له سعره الخاص، وبعد ساعة واحدة فقط تنفد كل الكمية التي بحوزتي، لأطلب من والدتي أن تزيد في الكمية لأتمكن من تلبية الطلب المتزايد علي، وغير بعيد عنه، التقينا بـ “حمزة” عمره 9 سنوات وهو تلميذ في الابتدائية الذي قال “أمي تحضر لي يوميا المطلوع وفي المساء أذهب إلى أحد المجمعات السكنية والأحياء بالمنطقة لأبيعه، فالعمل جد متعب لأنني أضطر إلى أن أصعد وأنزل سلالم العمارات عدة مرات لكي أبيع خبز المطلوع، ولكن الحمد لله هناك إقبال كبير من طرف العائلات لاقتناء خبز المطلوع، فبعض الأسر تطلب مني إحضار كمية معينة من خبز المطلوع يوميا إليهم لشرائها لأن أمي تجيد صنعه”، ويضيف “حمزة” أنه اضطر لبيع خبز المطلوع لأن عائلته معوزة.

“الديول” و”القطايف” لمساعدة الأهل

تعرف تجارة ”القطايف” و”الديول” رواجا كبيرا خلال شهر الصيام نظرا لاستهلاكها من قبل عامة الناس، ما يجعل الطلب عليها كبيرا حتى أنه من النادر أن تتمكن خلال أولى أيام شهر رمضان من الحصول على تلك المواد وخاصة ”الديول”، فتصطف طوابير طويلة في أولى أيام الصيام أمام محلات أو طاولات بيع ذات المادة. وفي جولتنا عبر بعض أسواق العاصمة، ونحن نتجول بسوق “مارشي 12” صادفنا أطفال أبرياء كثيرين واقفين على الأرصفة وعلى قارعة الطريق أمام صناديق تحمل منتوج أمهاتهم، من عجائن متنوعة كالديول التي تعرف إقبالا كبيرا من طرف المواطنين وهذا لتحضير البوراك الذي لا يمكن الاستغناء عنه على طاولة الفطور مع شوربة فريك حمراء وهم يصرخون بأعالي أصواتهم مثلما يفعله الكبار لترويج سلعهم، لكي يحظون ببعض المال الذي يحتاجونه.

كما كان لنا حديث مع “عبدو” 10 سنوات الذي كان يحمل صندوقا به الديول ملفوف بغطاء أبيض نظيف و هو يطلب من المارة شراء “الديول” التي كان يصفها بالجودة والنظافة، اقتربنا منه بغرض الشراء وسؤاله عن مصدر سلعته، فقال إنه دائما في رمضان تحضر له أمه الديول ليبيعها في المنازل، وهو تلميذ بالابتدائية وناجح في دراسته، أخبرنا أنه دخل عالم التجارة من أجل دعم والدته لكسب بعض المال ومساعدتها لأن مصاريف العائلة أثقلت كاهلها وهذا لشراء ملابس العيد.

شبكة “ندى” تشرع في إعداد برنامج يهدف لحماية الأطفال

تشير الأرقام غير الرسمية إلى أن أكثر من مليون و600 ألف طفل يشتغلون في قطاعات عدّة، لا سيّما في الأسواق وفي ورش البناء والمشروعات الخاصة، وهو ما يفتح الباب أمام قلق مجتمعي يعبّر عنه بعض المعنيين، خاصة الشبكة الجزائرية للدفاع عن حقوق الطفل “ندى” التي تُعنى بقضايا الطفولة في الجزائر، فقد طالبت بإعداد برنامج تربوي وتوعوي لفائدة الأطفال في سوق العمل الموازية، سيُطلَق قريباً على مستوى ولايات جزائرية نموذجية، وهي العاصمة الجزائرية وتيزي وزو والبليدة وبومرداس والبويرة.

والبرنامج يهدف بحسب رئيس الشبكة عبد الرحمن عرعار إلى “وقاية الأطفال من استغلالهم في السوق الموازية، ومتابعة بعض حالات المراهقين المسجّلة في سوق العمل، خصوصاً في مجالات الفلاحة والنشاط التجاري والبناء وغيرها من القطاعات، التي تستغل الأجساد الصغيرة في أشغال كبرى”. ويقول عرعار إنه “لا بدّ من دقّ ناقوس الخطر. فالشبكة تلقّت 160 ألف ملف طلب مساعدة من قبل الأسر لإنقاذ أبنائها الذين يُستغلّون في مناحٍ متعددة وقد تعرّضوا فيها إلى اعتداءات تمثّل خطراً معنوياً عليهم”. ويلفت إلى أنّ البرنامج يشمل كذلك “تنظيم دورات تكوينية (تدريبية) لفائدة الأولياء يديرها مدرّبون تابعون لشبكة ندى، بمساهمة من جمعيات تعمل في مجال التكفل بالطفولة”.

وكانت الشبكة قد أعدّت مجموعة من القوانين والسياسات الوطنية، التي تتضمن “آليات حماية الطفولة ومنع الممارسات التي تضر بهذه الشريحة من المجتمع”. لكنّ المشكلة، بحسب عرعار، هي في “تنفيذ هذه القوانين على الأرض وتطبيقها في الميدان وتفعيل العمل بها على مستوى مختلف ولايات الوطن”، ويقرّ بأنّ “العمل بها يظلّ ضئيلاً أو ضعيفاً بالمقارنة مع مختلف الآليات المتعلقة بحماية المراهقين من المخدرات وغيرها من الآفات التي باتت تهدّد هذه الشريحة”.

ودعت الشبكة الفاعلين السياسيين والاجتماعيين المعنيين جميعاً إلى التدخل واتخاذ إجراءات عاجلة بهدف حلّ عشرات المشاكل، التي تتضمنها ملفات تعمل عليها الشبكة على مستوى مناطق مختلفة من الوطن، خصوصاً ما يدخل في إطار “استغلال الأطفال في السوق الموازية”. ودعت إلى “استحداث آلية متخصصة في رقابة عمالة الأطفال في السوق الموازية، بالإضافة إلى إعداد مسح وطني حول الأطفال في هذه السوق عبر توفير معطيات حول أوضاعهم تمكّن من تحديد مخططات عمل موجّهة لمكافحة ذلك”.
المصدر :جريدة الموعد اليومي

اترك تعليقًا