هكذا يقضي المعتقلون بمصر و سوريا شهر رمضان داخل زنازينهم

في الوقت الذي يتعرض فيه ملايين المسلمين في مختلف دول العالم لروحانيات شهر رمضان المبارك ومعايشة طقوسه في الداخل والخارج، وتنسم عبيره والقيام بواجباته واداء فروضه، والتلذذ بما يضفيه على البيوت والأسر من ظلال وارفة ومناخ إيماني رباني عظيم، هناك عشرات الآلاف يقبعون داخل زنازين التعذيب والقهر، محرومون من أبسط حقوقهم وأدنى متطلباتهم الإنسانية.

وبينما يحتفل العالم بهذا الشهر وفضائله كان القيام بجولة سريعة داخل زنازين المعتقلات والسجون – لاسيما في مصر وسوريا بصفتهما الأكثر عددًا في سجلات المعتقلين – أمرًا غاية في الأهمية، للوقوف على طقوس رمضان داخلها وكيف يقضي المعتقلون هذا الشهر وماذا عن عباداتهم وكيفية تعامل إدارات السجون معهم، في محاولة للإجابة عن هذا السؤال: هل تحول الجدران الخرسانية المغلقة بين المسجونين والتعرض لنسمات رمضان وروحانياته؟

40 ألف معتقل في مصر

تشير التقارير الحقوقية الواردة بشأن عدد المعتقلين في مصر إلى أنها تتراوح ما بين 40 – 60 ألف معتقل داخل السجون المصرية، لقى 80 منهم حتفهم بسبب سوء الأوضاع المعيشية وتردي مستوى الخدمات الطبية، حسبما أشارت منظمة العفو الدولية في بيان سابق لها.

يحيا المعتقلون داخل السجون المصرية أوضاعًا مأساوية طيلة أيام العام، لكنها في رمضان تبلغ أقسى درجاتها، حيث يتزامن دخول الشهر مع فصل الصيف والارتفاع الكبير في درجات الحرارة، وعدم ملاءمة الزنازين وأماكن الاحتجاز، ومن ثم فإن حالات الوفاة تكثر في مثل هذه الأيام.

الزنازين الضيقة المكتظة بالمعتقلين، والحرارة المرتفعة، وغياب التهوية، مع الصيام وعدم تناول الطعام والشراب، كل هذا يجعل من رمضان عبئًا على كاهل المحبوسين يضاف إلى أعباء المعيشة العادية التي ترتكب بحقهم داخل تلك المراكز غير المؤهلة في الليل والنهار.

كيف يقضون رمضان؟

محاولة نقل صورة متطابقة لما يدور داخل الزنازين والمعتقلات في رمضان لا تعدو كونها سردًا نظريًا واجتهادًا بعيدًا إلى حد كبير عن الحقيقة المرة، وهو ما يتطلب التطرق إلى تجربة حية من داخل هذه المعتقلات على لسان أحد مسجونيها للوقوف على المشهد بموضوعية أقرب للواقع منها للتوقع، إذ أن ما يحدث ربما تعدى قدرة العقل على التخيل.

أشرف، معتقل مصري قضى في سجن “أبو زعبل 1” عامًا ونصف العام ثم اخلي سبيله، قضى خلالها شهر رمضان كاملا داخل السجن، يرصد معاناة المسجونين داخل المعتقلات المصرية في رمضان وكيف تتعنت إدارة السجن معهم ما يزيد من أعباءهم في نهار هذا الشهر الكريم.

يقول أشرف في حديث له لإحدى الصحف إن إدارة السجن كانت تُسلمهم وجبة الإفطار (التعيين) في السابعة من صباح كل يوم في شهر رمضان، ليتم تناولها بعد آذان المغرب، بعد أن تكون غير صالحة للأكل، مشيراً إلى أنهم كانوا في أوقات كثيرة يرفضون استلامها لسوئها.

أما عن كيفية تناول الإفطار في ظل فقدان الوجبات المقدمة لهم لصلاحيتها، أشار إلى أن المعتقلين كانوا يعتمدون بشكل أساسي على طعام الزيارات والتي تكون مرة كل أسبوع لأهل المحبوس احتياطياً، وكل 16 يوماً للمحكوم عليه، مشيراً إلى أن إدارة السجن منعت دخول أنواع كثيرة من طعام الزيارات للمعتقلين للتضييق عليهم وإجبارهم على استلام وجبات السجن.

المعتقل المصري كشف عن تفاقم الأوضاع الصحية داخل السجون خاصة في رمضان وهو ما أفقده والده البالغ من العمر 55 عامًا بعد أن بترت قدماه نتيجة الإهمال الطبي في 17 نوفمبر/ تشرين الثاني 2014، وكان معه في الزنزانة نفسها، وما هي إلا أيام بعد البتر حتى لفظ أنفاسه بعد أن رفضت إدارة السجن نقله إلى المستشفى.

معاناة قاسية

في تقرير للكاتب الصحفي الإيطالي المقيم بالقاهرة، آليساندرو آكورسي، ترجمه “نون بوست” تطرق إلى واقع المعتقلين داخل السجون في نهار رمضان، مستندًا إلى شهادة أحد المعتقلين، واصفًا هذا الواقع بـ “القاس”، فالزنزانة التي كان معتقلًا ضمنها “أحمد” كما سماه الكاتب الإيطالي، كانت بلا نوافذ، باستثناء فتحة صغيرة متوضعة في الجزء العلوي من أحد الجدران، وكانت الزنزانة مكتظة بالسجناء لدرجة أن كل سجين كان يمتلك مساحة تقل عن متر مربع واحد فقط للجلوس أو للوقوف، لذا فقد كان النوم والمشي تتم ممارستهما بالتناوب فيما بين السجناء، فضلًا عن أن الزنزانة لا تحتوي على أية مفارش للنوم، زد على ذلك الجو الجليدي البارد في شتاء الصحراء التي يقع ضمنها المعتقل، وقيظ حرارة الشمس الحارقة في فصل الصيف.

أما عن الطعام في رمضان، فكما جاء على لسان المعتقل””لقد كان من المستحيل قطعًا تناول طعام السجن”؛ لذا، في كل زيارة أسبوعية، كان السجناء يزودون أقاربهم الذين يزورونهم بقائمة بالبنود التي يريدونها، مع الوضع في الاعتبار تجنب الأطعمة التي تتلف سريعًا، ويفسر أحمد قائلًا “لم يكن لدينا ثلاجة، وهكذا في الأسابيع الأولى كان علينا أن نجرب ونتكيف، وعلينا أن نفكر في نوع الطعام الذي يمكن أن يتم جلبه لنا، والطعام الذي يمكننا أن نحفظه من التلف”.

وعن كيفية دخول الطعام الخارجي للسجن، أشار الصحفي نقلا عن المعتقل أن ذلك يتم عن طريق بعض الحيل المعقدة، بالإضافة إلى التواطؤ ورشوة بعض الحراس، وتبقى مشكلة المياه أكثر الأزمات التي تواجه المعتقلين داخل الزنازين، يقول أحمد: “في بداية شهر رمضان، وعدتنا سلطات السجن بأنهم سوف يعطونا بعضًا من الثلج، ولكن عندما بدأ شهر رمضان، كان علينا أن نبتاع الثلج من الحراس، وندفع لهم ثمنه بالسجائر أو من مصروف الجيب الصغير الذي تمدنا به أسرنا، وبعد الإفطار، يقوم السجناء العطشى بتكسير قطع الثلج، ووضعها في كوب من الماء، للحصول على رشفات من الماء المثلّج، وهذا الشعور كان أحد أفضل الأحاسيس التي يختبرها الصائمون من المساجين خلال اليوم”

احتفالات رغم الخناق

وفي المقابل يروي أبو علي المصري المعتقل في سجن مزرعة طرة حديثه عن أوضاع المعتقلين في رمضان، حيث يقول إنه “رغم الألم وبلاء الحبس وزيادة التضييق أحيانا، فإن رمضان المعتقل له مذاق خاص يترك أثرا إيجابيا”.

أبو علي الذي يقضي رمضانه الثالث داخل المعتقلات المصرية في حديث سابق له أشار إلى أن واقع المعتقل في رمضان يختلف من مكان لآخر ومن عام لأخر، حيث تتأثر بشكل أساسي بالظروف المتغيرة التي يُشكلها النظام في كل سجن حسب رغبته، فالظروف داخل سجن مزرعة طرة أفضل حالا من مثيلاتها في سجن العقرب ووادي النطرون وبرج العرب، حسب قوله

وأضاف أن التشديد داخل المعتقلات لم ينجح في الحول بين المسجونين وأداء شعائر رمضان، حيث يبدأ اليوم تقريبًا في تمام الساعة التاسعة صباحًا، حيث تُفتح أبواب زنازين أحد العنابر ليخرج من فيها للتريض فيبدؤون بالوضوء وصلاة الضحى، وبعد قضاء ما يتاح لهم من وقت في التريض يعودون إلى زنازينهم ويقومون بالاستحمام وصلاة الظهر جماعة.

المعتقل المصري كشف عن بعض الطقوس الرمضانية التي يقيمها المعتقلون داخل السجون منها “ملازمة المصحف في أي مكان يوجد فيه المعتقل، وكثرة حلق التدبر والذكر والقراءة الجماعية وتكليف أغلب المعتقلين بقول خواطرهم الخاصة بعد كل صلاة بما يساعد على شد العزم ورفع الإيمانيات لدى السامعين”.

أما ياسر عادل، وهو معتقل سابق بسجن العقرب، فأشار إلى أن الانتهاكات في رمضان مثلها مثل بقية أيام العام، بل قد تزداد كما في بعض الأحيان، حيث تتعمد إدارة السجن حرمان المعتقلين من أي أمر يساعد على الإحساس برمضان وأجوائه، مضيفًا أن “معتقلي العقرب محرومون من الصلوات الجماعية، ومن معرفة أوقات الصلاة بشكل دقيق، وهم محرومون من حقهم الطبيعي في المطعم والمشرب، فضلا عما يمكن أن تقتضيه الأجواء الرمضانية من حلويات أو عصائر أو نحوها”.

200 ألف معتقل سوري

وضع المعتقلين في سجون سوريا لا يختلف كثيرًا عن أشقائهم في مصر، وبالرغم من عدم وجود إحصاءات رسمية لعدد القابعين الفعليين في سجون بشار الأسد، إلا أنه وبحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان فإن العدد يبلغ 200 ألفاً , تأتي حلب في المقدمة من حيث أعداد المعتقلين بـنحو أربعين ألفاً تليها حمص بأكثر من 35 ألفاً ثم ريف دمشق بحوالي 30 ألفاً , فحماه وادلب بأكثر من عشرين ألفاً.

الإحصائيات الواردة تشير إلى أن هناك 9000 معتقل دون سن الثامنة عشرة , وحوالي 4500 امرأة, تعرض منهم 1215 مواطناً للوفاة بسبب التعذيب الممنهج وسوء الأوضاع المعيشية وتراجع الخدمات الصحية، بينهم 17 امرأة و34 طفلاً و23 مسناً ممن تجاوزت أعمارهم الستين , وتأتي حمص في مقدمة المحافظات من حيث عدد الذين قضوا تحت التعذيب بـ 313 شهيداً ثم درعا بـ 221 وادلب بـ 182 وريف دمشق بـ 122 ثم حماه بـ 115 وحلب بـ 83 .
ممنوعون من الصوم

يتمتع شهر رمضان في سوريا بوجه عام خلال السنوات الست الأخيرة بخصوصية مختلفة، حيث تختلف طقوسه من منطقة لأخرى، بحسب موقعها من الإعراب في ساحة الصراع، فالمناطق الواقعة تحت سيطرة قوات الأسد تختلف عن تلك المحررة، والأحرار تحت القصف يختلفون عن المعتقلين داخل الزنازين، وهكذا.

محمد، أحد المعتقلين السوريين المفرج عنه مؤخرًا يروي قصته ويسرد ملامح تجربته داخل المعتقلات في رمضان، حيث يقول: «أتممنا عدة شهر شعبان ونوينا الصوم، لا تغيير في أوقات الوجبات في رمضان، بل الصوم ممنوع ومن أمسك به السجان يمتنع عن الطعام فسيقتادونه للتعذيب.. الصوم جريمة داخل معتقلات الأسد حيث حرية كل شيء ممنوعة».

المعتقل السوري المحرر يكشف عن قيام السجان داخل المعتقلات بدوريات مفاجئة لمعرفة ما إذا كان المسجونين تناولوا طعامهم أم لا، وفي حال اكتشاف صيام أحدهم يتعرض لتعذيب إضافي وحرمان من الطعام والشراب لفترات طويلة، ويتابع: «في أول يوم دخل علينا وأجبرنا على الأكل.. قال لي أحد المعتقلين وهو في الخمسين من عمره: الله ينتقم منهم هي أول مرة بفطر بكل حياتي وصار يبكي».

أما عن الظروف المعيشية داخل المعتقلات لمن نوي الصيام في بعض السجون التي لا تحرم ذلك، أشار إلى أن الحرارة العالية كانت أحيانًا تؤدي إلى فساد الطعام، إلا أنه ورغم الحر وقلة الطعام والشراب وظروف المعتقل، فقد كان الجميع مستمتعًا بالصيام، «ربما لإحساسنا أننا فعلنا شيئًا ما بإرادتنا وبأننا نلنا قسطًا من الحرية، نمتنع عن الطعام المقدم من قبل السجان بإرادتنا ونأكل بإرادتنا».

وبعد الإفطار يجلس المعتقلون داخل السجون السورية لقضاء أوقاتهم بالحديث عن الوجبات التي يفضلونها في منازلهم وكيف يقضوا هذا الشهر مع أسرهم وعائلاتهم، ما قد يدخل بعضهم في نوبة من البكاء حسرة على وضعه الذي هو فيه من ذل وإهانة، متمنيًا لو قضى ولو يوم واحد من رمضان خارج المعتقل.

رمضان الحاضر الغائب

فقدان الإحساس برمضان وروحانياته والتمتع بطقوسه لم يقتصر فقط على المعتقلين داخل السجون هنا وهناك، بل ينسحب هذا التأثير على أسر وعائلات المحبوسين، ممن يعانون أشد المعاناة جرًاء غياب الزوج أو الأخ أو الإبن عنهم.

وتتجسد تلك المعاناة فيما تواجهه عائلات المعتقلين من صعوبات وذلة ومهانة عند زيارة ذويهم داخل السجون لتقديم وجبات الطعام لهم أو الإطمئنان عليهم، فقد تقضي الأسرة طيلة اليوم بهدف التمكين لها من زيارة سجينها، منذ الفجر وحتى الخامسة قبل أذان المغرب، وهو ما يحول هذا الشهر إلى شهر معاناة وألم ومشقة بالرغم مما يفترض أن يكون فيه من رحمة وسكينة وطمأنينة.

فكيف يكون حال الإبن الذي يقضي رمضان ووالده داخل السجن؟ وكيف تتمكن الزوجة من الاستمتاع بهذا الشهر وزوجها بعيد عنها في غياهب المعتقلات؟ وكيف للأم أن تتحمل أن يأتي رمضان وفلذة كبدها يعاني بين أربعة جدران خرسانية تقف حائلا بينه وبين الحياة؟

نون بوستي الوقت الذي يتعرض فيه ملايين المسلمين في مختلف دول العالم لروحانيات شهر رمضان المبارك ومعايشة طقوسه في الداخل والخارج، وتنسم عبيره والقيام بواجباته واداء فروضه، والتلذذ بما يضفيه على البيوت والأسر من ظلال وارفة ومناخ إيماني رباني عظيم، هناك عشرات الآلاف يقبعون داخل زنازين التعذيب والقهر، محرومون من أبسط حقوقهم وأدنى متطلباتهم الإنسانية.

وبينما يحتفل العالم بهذا الشهر وفضائله كان القيام بجولة سريعة داخل زنازين المعتقلات والسجون – لاسيما في مصر وسوريا بصفتهما الأكثر عددًا في سجلات المعتقلين – أمرًا غاية في الأهمية، للوقوف على طقوس رمضان داخلها وكيف يقضي المعتقلون هذا الشهر وماذا عن عباداتهم وكيفية تعامل إدارات السجون معهم، في محاولة للإجابة عن هذا السؤال: هل تحول الجدران الخرسانية المغلقة بين المسجونين والتعرض لنسمات رمضان وروحانياته؟

40 ألف معتقل في مصر

تشير التقارير الحقوقية الواردة بشأن عدد المعتقلين في مصر إلى أنها تتراوح ما بين 40 – 60 ألف معتقل داخل السجون المصرية، لقى 80 منهم حتفهم بسبب سوء الأوضاع المعيشية وتردي مستوى الخدمات الطبية، حسبما أشارت منظمة العفو الدولية في بيان سابق لها.

يحيا المعتقلون داخل السجون المصرية أوضاعًا مأساوية طيلة أيام العام، لكنها في رمضان تبلغ أقسى درجاتها، حيث يتزامن دخول الشهر مع فصل الصيف والارتفاع الكبير في درجات الحرارة، وعدم ملاءمة الزنازين وأماكن الاحتجاز، ومن ثم فإن حالات الوفاة تكثر في مثل هذه الأيام.

الزنازين الضيقة المكتظة بالمعتقلين، والحرارة المرتفعة، وغياب التهوية، مع الصيام وعدم تناول الطعام والشراب، كل هذا يجعل من رمضان عبئًا على كاهل المحبوسين يضاف إلى أعباء المعيشة العادية التي ترتكب بحقهم داخل تلك المراكز غير المؤهلة في الليل والنهار.

كيف يقضون رمضان؟

محاولة نقل صورة متطابقة لما يدور داخل الزنازين والمعتقلات في رمضان لا تعدو كونها سردًا نظريًا واجتهادًا بعيدًا إلى حد كبير عن الحقيقة المرة، وهو ما يتطلب التطرق إلى تجربة حية من داخل هذه المعتقلات على لسان أحد مسجونيها للوقوف على المشهد بموضوعية أقرب للواقع منها للتوقع، إذ أن ما يحدث ربما تعدى قدرة العقل على التخيل.

أشرف، معتقل مصري قضى في سجن “أبو زعبل 1” عامًا ونصف العام ثم اخلي سبيله، قضى خلالها شهر رمضان كاملا داخل السجن، يرصد معاناة المسجونين داخل المعتقلات المصرية في رمضان وكيف تتعنت إدارة السجن معهم ما يزيد من أعباءهم في نهار هذا الشهر الكريم.

يقول أشرف في حديث له لإحدى الصحف إن إدارة السجن كانت تُسلمهم وجبة الإفطار (التعيين) في السابعة من صباح كل يوم في شهر رمضان، ليتم تناولها بعد آذان المغرب، بعد أن تكون غير صالحة للأكل، مشيراً إلى أنهم كانوا في أوقات كثيرة يرفضون استلامها لسوئها.

أما عن كيفية تناول الإفطار في ظل فقدان الوجبات المقدمة لهم لصلاحيتها، أشار إلى أن المعتقلين كانوا يعتمدون بشكل أساسي على طعام الزيارات والتي تكون مرة كل أسبوع لأهل المحبوس احتياطياً، وكل 16 يوماً للمحكوم عليه، مشيراً إلى أن إدارة السجن منعت دخول أنواع كثيرة من طعام الزيارات للمعتقلين للتضييق عليهم وإجبارهم على استلام وجبات السجن.

المعتقل المصري كشف عن تفاقم الأوضاع الصحية داخل السجون خاصة في رمضان وهو ما أفقده والده البالغ من العمر 55 عامًا بعد أن بترت قدماه نتيجة الإهمال الطبي في 17 نوفمبر/ تشرين الثاني 2014، وكان معه في الزنزانة نفسها، وما هي إلا أيام بعد البتر حتى لفظ أنفاسه بعد أن رفضت إدارة السجن نقله إلى المستشفى.

معاناة قاسية

في تقرير للكاتب الصحفي الإيطالي المقيم بالقاهرة، آليساندرو آكورسي، ترجمه “نون بوست” تطرق إلى واقع المعتقلين داخل السجون في نهار رمضان، مستندًا إلى شهادة أحد المعتقلين، واصفًا هذا الواقع بـ “القاس”، فالزنزانة التي كان معتقلًا ضمنها “أحمد” كما سماه الكاتب الإيطالي، كانت بلا نوافذ، باستثناء فتحة صغيرة متوضعة في الجزء العلوي من أحد الجدران، وكانت الزنزانة مكتظة بالسجناء لدرجة أن كل سجين كان يمتلك مساحة تقل عن متر مربع واحد فقط للجلوس أو للوقوف، لذا فقد كان النوم والمشي تتم ممارستهما بالتناوب فيما بين السجناء، فضلًا عن أن الزنزانة لا تحتوي على أية مفارش للنوم، زد على ذلك الجو الجليدي البارد في شتاء الصحراء التي يقع ضمنها المعتقل، وقيظ حرارة الشمس الحارقة في فصل الصيف.

أما عن الطعام في رمضان، فكما جاء على لسان المعتقل””لقد كان من المستحيل قطعًا تناول طعام السجن”؛ لذا، في كل زيارة أسبوعية، كان السجناء يزودون أقاربهم الذين يزورونهم بقائمة بالبنود التي يريدونها، مع الوضع في الاعتبار تجنب الأطعمة التي تتلف سريعًا، ويفسر أحمد قائلًا “لم يكن لدينا ثلاجة، وهكذا في الأسابيع الأولى كان علينا أن نجرب ونتكيف، وعلينا أن نفكر في نوع الطعام الذي يمكن أن يتم جلبه لنا، والطعام الذي يمكننا أن نحفظه من التلف”.

وعن كيفية دخول الطعام الخارجي للسجن، أشار الصحفي نقلا عن المعتقل أن ذلك يتم عن طريق بعض الحيل المعقدة، بالإضافة إلى التواطؤ ورشوة بعض الحراس، وتبقى مشكلة المياه أكثر الأزمات التي تواجه المعتقلين داخل الزنازين، يقول أحمد: “في بداية شهر رمضان، وعدتنا سلطات السجن بأنهم سوف يعطونا بعضًا من الثلج، ولكن عندما بدأ شهر رمضان، كان علينا أن نبتاع الثلج من الحراس، وندفع لهم ثمنه بالسجائر أو من مصروف الجيب الصغير الذي تمدنا به أسرنا، وبعد الإفطار، يقوم السجناء العطشى بتكسير قطع الثلج، ووضعها في كوب من الماء، للحصول على رشفات من الماء المثلّج، وهذا الشعور كان أحد أفضل الأحاسيس التي يختبرها الصائمون من المساجين خلال اليوم”

احتفالات رغم الخناق

وفي المقابل يروي أبو علي المصري المعتقل في سجن مزرعة طرة حديثه عن أوضاع المعتقلين في رمضان، حيث يقول إنه “رغم الألم وبلاء الحبس وزيادة التضييق أحيانا، فإن رمضان المعتقل له مذاق خاص يترك أثرا إيجابيا”.

أبو علي الذي يقضي رمضانه الثالث داخل المعتقلات المصرية في حديث سابق له أشار إلى أن واقع المعتقل في رمضان يختلف من مكان لآخر ومن عام لأخر، حيث تتأثر بشكل أساسي بالظروف المتغيرة التي يُشكلها النظام في كل سجن حسب رغبته، فالظروف داخل سجن مزرعة طرة أفضل حالا من مثيلاتها في سجن العقرب ووادي النطرون وبرج العرب، حسب قوله

وأضاف أن التشديد داخل المعتقلات لم ينجح في الحول بين المسجونين وأداء شعائر رمضان، حيث يبدأ اليوم تقريبًا في تمام الساعة التاسعة صباحًا، حيث تُفتح أبواب زنازين أحد العنابر ليخرج من فيها للتريض فيبدؤون بالوضوء وصلاة الضحى، وبعد قضاء ما يتاح لهم من وقت في التريض يعودون إلى زنازينهم ويقومون بالاستحمام وصلاة الظهر جماعة.

المعتقل المصري كشف عن بعض الطقوس الرمضانية التي يقيمها المعتقلون داخل السجون منها “ملازمة المصحف في أي مكان يوجد فيه المعتقل، وكثرة حلق التدبر والذكر والقراءة الجماعية وتكليف أغلب المعتقلين بقول خواطرهم الخاصة بعد كل صلاة بما يساعد على شد العزم ورفع الإيمانيات لدى السامعين”.

أما ياسر عادل، وهو معتقل سابق بسجن العقرب، فأشار إلى أن الانتهاكات في رمضان مثلها مثل بقية أيام العام، بل قد تزداد كما في بعض الأحيان، حيث تتعمد إدارة السجن حرمان المعتقلين من أي أمر يساعد على الإحساس برمضان وأجوائه، مضيفًا أن “معتقلي العقرب محرومون من الصلوات الجماعية، ومن معرفة أوقات الصلاة بشكل دقيق، وهم محرومون من حقهم الطبيعي في المطعم والمشرب، فضلا عما يمكن أن تقتضيه الأجواء الرمضانية من حلويات أو عصائر أو نحوها”.

200 ألف معتقل سوري

وضع المعتقلين في سجون سوريا لا يختلف كثيرًا عن أشقائهم في مصر، وبالرغم من عدم وجود إحصاءات رسمية لعدد القابعين الفعليين في سجون بشار الأسد، إلا أنه وبحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان فإن العدد يبلغ 200 ألفاً , تأتي حلب في المقدمة من حيث أعداد المعتقلين بـنحو أربعين ألفاً تليها حمص بأكثر من 35 ألفاً ثم ريف دمشق بحوالي 30 ألفاً , فحماه وادلب بأكثر من عشرين ألفاً.

الإحصائيات الواردة تشير إلى أن هناك 9000 معتقل دون سن الثامنة عشرة , وحوالي 4500 امرأة, تعرض منهم 1215 مواطناً للوفاة بسبب التعذيب الممنهج وسوء الأوضاع المعيشية وتراجع الخدمات الصحية، بينهم 17 امرأة و34 طفلاً و23 مسناً ممن تجاوزت أعمارهم الستين , وتأتي حمص في مقدمة المحافظات من حيث عدد الذين قضوا تحت التعذيب بـ 313 شهيداً ثم درعا بـ 221 وادلب بـ 182 وريف دمشق بـ 122 ثم حماه بـ 115 وحلب بـ 83 .
ممنوعون من الصوم

يتمتع شهر رمضان في سوريا بوجه عام خلال السنوات الست الأخيرة بخصوصية مختلفة، حيث تختلف طقوسه من منطقة لأخرى، بحسب موقعها من الإعراب في ساحة الصراع، فالمناطق الواقعة تحت سيطرة قوات الأسد تختلف عن تلك المحررة، والأحرار تحت القصف يختلفون عن المعتقلين داخل الزنازين، وهكذا.

محمد، أحد المعتقلين السوريين المفرج عنه مؤخرًا يروي قصته ويسرد ملامح تجربته داخل المعتقلات في رمضان، حيث يقول: «أتممنا عدة شهر شعبان ونوينا الصوم، لا تغيير في أوقات الوجبات في رمضان، بل الصوم ممنوع ومن أمسك به السجان يمتنع عن الطعام فسيقتادونه للتعذيب.. الصوم جريمة داخل معتقلات الأسد حيث حرية كل شيء ممنوعة».

المعتقل السوري المحرر يكشف عن قيام السجان داخل المعتقلات بدوريات مفاجئة لمعرفة ما إذا كان المسجونين تناولوا طعامهم أم لا، وفي حال اكتشاف صيام أحدهم يتعرض لتعذيب إضافي وحرمان من الطعام والشراب لفترات طويلة، ويتابع: «في أول يوم دخل علينا وأجبرنا على الأكل.. قال لي أحد المعتقلين وهو في الخمسين من عمره: الله ينتقم منهم هي أول مرة بفطر بكل حياتي وصار يبكي».

أما عن الظروف المعيشية داخل المعتقلات لمن نوي الصيام في بعض السجون التي لا تحرم ذلك، أشار إلى أن الحرارة العالية كانت أحيانًا تؤدي إلى فساد الطعام، إلا أنه ورغم الحر وقلة الطعام والشراب وظروف المعتقل، فقد كان الجميع مستمتعًا بالصيام، «ربما لإحساسنا أننا فعلنا شيئًا ما بإرادتنا وبأننا نلنا قسطًا من الحرية، نمتنع عن الطعام المقدم من قبل السجان بإرادتنا ونأكل بإرادتنا».

وبعد الإفطار يجلس المعتقلون داخل السجون السورية لقضاء أوقاتهم بالحديث عن الوجبات التي يفضلونها في منازلهم وكيف يقضوا هذا الشهر مع أسرهم وعائلاتهم، ما قد يدخل بعضهم في نوبة من البكاء حسرة على وضعه الذي هو فيه من ذل وإهانة، متمنيًا لو قضى ولو يوم واحد من رمضان خارج المعتقل.

رمضان الحاضر الغائب

فقدان الإحساس برمضان وروحانياته والتمتع بطقوسه لم يقتصر فقط على المعتقلين داخل السجون هنا وهناك، بل ينسحب هذا التأثير على أسر وعائلات المحبوسين، ممن يعانون أشد المعاناة جرًاء غياب الزوج أو الأخ أو الإبن عنهم.

وتتجسد تلك المعاناة فيما تواجهه عائلات المعتقلين من صعوبات وذلة ومهانة عند زيارة ذويهم داخل السجون لتقديم وجبات الطعام لهم أو الإطمئنان عليهم، فقد تقضي الأسرة طيلة اليوم بهدف التمكين لها من زيارة سجينها، منذ الفجر وحتى الخامسة قبل أذان المغرب، وهو ما يحول هذا الشهر إلى شهر معاناة وألم ومشقة بالرغم مما يفترض أن يكون فيه من رحمة وسكينة وطمأنينة.

فكيف يكون حال الإبن الذي يقضي رمضان ووالده داخل السجن؟ وكيف تتمكن الزوجة من الاستمتاع بهذا الشهر وزوجها بعيد عنها في غياهب المعتقلات؟ وكيف للأم أن تتحمل أن يأتي رمضان وفلذة كبدها يعاني بين أربعة جدران خرسانية تقف حائلا بينه وبين الحياة؟

نون بوست

اترك تعليقًا