رمضان و تقوى القلوب بقلم الأستاذ جمال الدين عماري

“رمضان.. وتقوى القلوب.”
منْ يُعمِّق النَّظر في واقع الأمَّة اليوم، يلحظ على عجل أنَّها تُعاني معاناة شديدة على كلِّ المستويات، رغم أنَّنا من أغْنى الأمم في مختلف المجالات. الكلُّ يشكو وغيْرُ راضٍ بهذا الوضع، وفي الوقت ذاته قلَّ منْ يُوقدُ شمعةً، فيقدِّمُ بديلًا أو عِلاجًا أو مبادرةً نحو الحل. فما المشكلة يا تُرى؟ هل هي مشكلة تربويَّة خُلُقيَّة؟ أم فكريَّة ثقافيَّة؟ أم اقتصاديَّة سياسيَّة؟ أم هي سُموم العولمة سرتْ في عُروقنا كأفراد وأُسَر ومجتمعاتٍ وتسرَّبت إلى قلوبنا فلوَّثتْها أو كادتْ، وإلى عقولِنا فشوَّشتْ عليها، فاختلط علينا الحابل بالنَّابل، فارتبكتْ بوصلتُنا، وكِدْنا نفقدُ رُشْدنا لولا رحمةٌ من الله شملتْنا جميعًا.
إنَّه لابدَّ من وضْع اليد على مَكْمن الألم وموْضع الدَّاء، لِأنَّ حُسْنَ التَّشْخِيص يَسْبِقُ حُسْنَ العِلاج. ولمَّا كنْتُ مُهتمًّا بالأمْر، رُحتُ أتأمَّلُ في نفسي وأتفرَّسُ فيمنْ حولي، وفي منْ أحتكُّ بهم مُعايشةً ومُرافقةً، أرْقُبُ وأتأمَّل واقعَ الأفراد عنْ قُرْبٍ وعن كثبٍ. وجدتُ أنَّ أصْلَ البلاء وَهَنٌ أصابَ القلوبَ، لمَّا ركنَ الكثيرُ منَّا إلى الدُّنيا. لمَّا هجرنا كِتابَ ربِّنا، وسُنَّةَ نبيِّنا صلَّى الله عليه وسلِّم، لمَّا هجرنا القرآن العظيم، تِلاوةً وتدبُّرًا وعملًا بأحكامه. “وقال الرَّسول يا ربِّ إنَّ قومي اتَّخذوا هذا القرآن مهجورًا.”(آ.30 الفرقان) إنَّه بقدْرِ ما نبتعدُ عن هَدي السَّماء، عن منارة الوحي، عنِ الذِّكْر الحكيم، عنِ القرآن العظيم، عن سُنَّة المُصطفى الكريم صلواتُ اللهِ وسلامُهُ عليه، بقدْر ما نتعب ونُعاني، ونتيه ونشقى.
اعتقادي أنَّها ليستْ مشكلة قناعاتٍ، بقدْر ما هي مشكلة تأثُّر واستجابة لأمر الله تعالى، والاحتكام إليه في كلِّ الأحوال. فالمشكلة إذنْ مشكلة قُلوب، هُنا مربط الفرس وموضع الخلل، لذلك قال أحد العلماء:”أعزُّ الأشياء قلبُك ووقتُك، وإذا أهملتَ قلبَكَ، وضيَّعتَ وقتَكَ، فقد ذهبتْ منكَ الفوائد.(ابن الجوزي/الحدائق ج3ص235) قال الشَّاعر الحكيم:
نُسائلُ ما الدَّواءُ إذَا مَرضنا؟ *** وداءُ القلبِ أوْلى بالسُّؤال.
وأمراض القلوب أخْطر من أمراض الأبدان .. لأنَّ أمراض الأبدان ظاهرة ومن الممكن أنْ تُعالج أنَّما أمراض القلوب خفيَّة .. وعليه فالأزمة عميقة ومُتشعِّبة، أزمة تربويَّة خُلُقيَّة، فكريَّة ثقافية، قبل أن تكون سياسيَّة اقتصاديَّة. فرديَّة قبل أن تكون اجتماعيَّة.
إنَّ الفائز الأكبر في هذا الشهر الفضيل، منْ زكَّى نفسه، وأصلح قلبه، وانطلق به في طريق السَّائرين إلى الله.. فعندما يستيقظ الإيمان، وتشتعل جذوته في القلب، فإنَّ أمارات الصَّلاح و الهداية والتَّوفيق، تبدأ تظهر على الجوارح. فلنشمر على سواعد الجد، ولنكثر من الطاعات و القربات، ولنسجد ولنقترب. النَّفحات بلا ريب تُصيب من يتعرَّض لها، أمَّا الغافل عنها فأحسنَ الله عزاءه. وبقدر الاستعداد يكون الإمداد، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، وزدنا ولا تنقصنا، اللهم إنَّك عفوٌّ تحب العفو فاعف عنَّا يا كريم. – يتبع.
– جمال الدين عماري. 12 رمضان 1438ه/ 7 جوان 2017م

اترك تعليقًا