خواطر_قرآنية_لسعيد_نفيسي
الآية 195-البقرة ” وأنفقوا في سبيل الله، ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة، واحسنوا ان الله يحب المحسنين”.
روى البخاري عن حذيفة نزلت الآية في النفقة، واخرج أبو داود والترميذي وصححه، ، عن أبي أيوب الأنصاري قال: نزلت هذه الآية فينا معشر الأنصار، لما أعز الله الإسلام، وكثر ناصروه، قال بعضنا لبعض سرا:إن أموالنا قد ضاعت وان الله قد أعز الإسلام، فلو أقمنا في أموالنا فأصلحنا ما ضاع منها، فانزل الله يرد علينا ما قلنا “وأنفقوا ……………” فكانت التهلكة الإقامة على أموالنا واصلاحها وتركنا الغزو.
هذه الآية تعطي تفسيرا عميقا لمصدر هلكة الناس، وكثير من العوام يسوقون هذه الآية للاستدلال بها على عدم جواز الدخول في مغامرات فيها مخاطرة على النفس ,ومنذ الصغر وأنا أسمع مثل هذا الاستدلال الذي ينافي الحقيقة و يعلم الجبن والتردد.
أما حقيقة معناها فهي اشارة الى رؤية ايمانية، قرآنية، وميزان آخر من الموازين الربانية مفاده أن التهلكة المرادة في هذه الآية هي التخلف عن أداء واجب الجهاد و التضحية الذي يضمن عز الدنيا وسعادة الآخرة،ذلك ان ميزان البشر ومنطقهم المادي أن الاهتمام باصلاح الأموال وتنميتها هو الطريق الذي يوصلهم الى الغنى والنجاح ولو فكر الناس جميعهم بهذا المنطق لتركوا الجهاد والغزو، وحينئذ سيتكمن منهم عدوهم وتضيع منهم دنياهم بعد أن يكونوا قد ضيعوا دينهم. إن تكاليف الجهاد شاملة، والمال عصبها، ولا يجوز لأصحاب الدعوات تأخير الإنفاق بدعوى الاهتمام بالذات، و الالتفات الى مطالب النفس والطبع، وانتظار ساعة الرفاهية والغنى للانفاق، كلا فإن معركة الحق تتطلب دوام الانفاق، ودوام البذل على كل حال ،لأن المؤمن في تلك اللحظة يحقق معنى العبودية الكاملة لله، وما المال إلا مال الله، وإذا لم يسخره العبد في مناصرة العقيدة فليس بينه و بين التراب فرق.
ان الذي يكشف عن مدى تحقق العبد بمدى العبودية، ليس الانفاق عن غنى، بل هو التضحية حال الخوف من نفاد ما في اليد، وان الذي يكشف عن مدى تحقق العبد بمعنى التوكل ليس الجهاد بعد استكمال متع الحياة، بل التضحية في أجواء ضغط متطلبات الحياة التي تدعو الانسان للاهتمام بها. و ان للانفاق حين ادبار الدنيا عن العبد واقبال الفقر و الحاجة عليه لذة عظيمة، يستشعرها المؤمن وهو يقدم ما قسم له من الدنيا ارضاءً لرب الدنيا و الآخرة، أما الذين لا ينفقون إلا اذا فاضت خزائنهم وامتلأت حساباتهم وكانت أموالهم زائدة عن احتياجاتهم و احتياجات ذرياتهم فإنهم لم يفقهوا بعد معنى التضحية في سبيل الله. واما الممتنعون عن الانفاق تحت أي مبرر فهم الذين يلقون بأنفسهم الى التهلكة، وأي تهلكة؟؟ انها جلب لسخط الله،وغضبه، لأن المال ماله فكيف للعبد الضعيف الفقير ان يحتجز مال الله عن المساهمة في نصرة العقيدة التي هي سر الحياة كلها.
خواطر قرآنية 17
