خواطر 19 …أمانة الشهادة على الناس للأستاذ السعيد نفيسي

الآية 41 من سورة النساء :”فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا ”
سؤال في غاية الأهمية يطرحه المرء على نفسه وهو يتذكر بكاء النبي صلى الله عليه وسلم :عندما كان يستمع إلى عبد الله بن مسعود وهو يتلو عليه هذه الآية ،فأي مشاعر كانت تملأ قلب النبي الكريم في تلك اللحظة.
وأي أشجان أثارتها تلك الآية في نفسه صلى الله عليه وسلم ؟ وأهم من ذلك أي أثر تتركه هذه الاية في نفوسنا حين نتذكر موقف الرسول الأكرم صلى الله عيه وسلم وهو يذرف الدمع السخي ،بل ويشير إلى صاحبه أن أمسك ؟
معظم دموع الأرض تعبير عن ألم دفين في القلب وخوف بلغ منتهاه في النفس ، وحتى دموع الفرح هي صورة لحزن على تأخر لحظة الفرح أو ندرتها .
فما هي طبيعة دموع الحبيب في هذا الموقف الرهيب ؟
إنه الألم الذي يصنعه الشعور الكبير بالمسؤولية أمام الله عز وجل يوم لقائه.
لقد قال له ربه قبل ذلك : ” يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك ، وإن لم تفعل فما بلغت رسالاته ، والله يعصمك من الناس ”
وقال له : “يا أيها المدثر قم فأنذر “.
وقال له :”وأنذر عشيرتك الأقربين “.
وقال له :”وجاهدهم به جهادا كبيرا “.
في سلسلة طويلة من النداءات العلوية والأوامر الربانية ،تتنزل على القلب الرقيق ،المغرم ببذل كل شئ لأجل إرضاء مولاه عز وجل .
ونحن نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ،ونصح الأمة ، وأقام الحجة على العالمين ،ولقي الله قرير العين بكمال الرسالة وتمام النعمة .
ورغم ذلك يذرف الدمع حين يسمع أنه سيقف بين يدي مولاه يوم القيامة ليدلي بالشهادة على الناس ،إنه الشعور بضرورة وصول الدعوة إلى كل قلب وإقامة الحجة على كل عقل حتى تبرأ ذمته ، بل أكثر من ذلك …إنها مشاعر حب الخير للناس ، والحرص على إنقاذ بني آدم من كيد الشيطان ، إنها مشاعر الخوف على بني جنسه ، ألا تكون شهادته لصالحهم .
إنه الألم الذي يفجر الدموع الحرة من عينيه الشريفتين ، وعصر قبل ذلك قلبه حتى أشفق عليه مولاه : ” فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يومنوا بهذا الحديث أسف ا”.
والآن أخي الحبيب ..
1. ماهو الأثر الذي يتركه في نفوسنا قوله تعالى :(وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا.)؟؟
2. ماهي المشاعر التي تملأ قلوبنا ونحن نرى شياطين الانس والجن يختطفون منا أحبابا وإخوانا شبابا ونساء وولدانا ؟؟
3. ما هو حجم الجهد الذي نبذله لكي ننال شرف الإدلاء بالشهادة على الناس أمام المحكمة الإلاهية ؟؟
4. كم دمعة ذرفناها حسرة وألما على ما آلت إليه أوضاع أمتنا الجريحة ؟؟
5. أي نوع من الحزن يغمرنا حين نرى الأقصى الأسير والقدس الجريح وفلسطين الثكلى والأمة المهانة ،ودماء المسلمين المهدرة ؟؟
6. أي نخوة يثيرها فينا جلد الأعداء وتفانيهم في الإفساد في الأرض ؟؟
7. هل نستطيع أن نقول بملء أفواهنا ،اللهم أشهد أننا بلغنا ميراث الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم وبذلنا الأموال والمهج في سبيل البلاغ المبين ؟؟
8. هل استفرغنا الجهد في مؤازرة الدعاة المخلصين ونصرة المظلومين ومواجهة أعداء الدين ؟؟
إنها سلسلة طويلة من الأسئلة هذا أوان طرحها على أنفسنا ولا ينجينا إلا الصدق و الاعتراف بالتقصير تجاه دعوة الله وتبليغها للبشرية المعذبة بفلسفات المادة الغارقة في أوحال الشهوات الجامحة .
وإن علامة توبتنا من هذا التقصير أن نرى على خدودنا دموعا حين نستشعر ثقل الأمانة الملقاة على عواتقنا ،وحجم المهام التي تنتظر في ميادين الدعوة الفسيحة.
وأن نحول هذه الآلام الى جهاد متواصل للتمكين لدين الله ومناصرة العقيدة ومناهضة الظلم ونصرة المظلومين في الأرض.
يارب إننا نعترف بتقصيرنا فهب لنا مددا من عندك ، تستخدمنا به في خدمة ميراث سيدنا محمد صلى الله عليه سلم .

اترك تعليقًا