خواطر 20 … لذة المناجاة و بلسم الشكوى إلى الله بقلم الأستاذ السعيد نفيسي

قال الله تعالى على لسان نبيه يعقوب عليه السلام (قال إنما اشكو بثي وحزني الى الله واعلم من الله ما لا تعلمون) الآية 86 من سورة يوسف
قال الشاعر :
والهم يخترم الجسيم نحافة ….. .ويشيب ناصية الصبي فيهرم
ان المؤمن بشر تعتريه احوال وتتقلب من حوله الأحداث وقد تنهال عليه الهموم من كل جانب وربما بلغ به البلاء وصف القرآن (وضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم انفسهم).
وربما اشتدت عليه وطأة الابتلاء او توالت عليه صنوف المحن حتى يشعر في لحظة أن جميع الأبواب موصدة في وجهه ، فلا يجد حينئذ الا الفرار الى الله ،إذ لا منجى ولا ملجأ منه الا اليه سبحانه. فينطلق لسان المؤمن مغترفا من قلبه ، يلهج بالثناء على الله ويبث الشكوى الحزينة الى الله، ويعرض ما أهمه وشغل باله على الرحيم الودود الكريم .
إن من أعلى مقامات الأولياء واظهر حقائق الإيمان هو استشعار الفقر التام لله تعالى والعودة الى الحقيقة الملازمة للعبد (يا أيها الناس أنتم الفقراء الى الله والله هو الغني الحميد).
ولذة المناجاة لا تكون الا باستشعار الفقر الى الله والحاجة اليه ، بل والشعور العميق أن كل البواب موصدة إلا بابه، وكل الطرق مقطوعة الا الطريق الموصلة اليه
.
وانين يعقوب عليه السلام في هذه الأية شبيه بزفرة موسى عندما تولى الى الظل وقال: (رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير) . وشبيه بمناجاة الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم حين آذته ثقيف في رحلة الطائف ،فأطلق لسانه الحزين يعبرعن قلب مكلوم مهموم :اللهم إني اشكو إليك ضعف قوتي وقلة حيلتي ،وهواني على الناس يا أرحم الراحمين ،أنت رب المستضعفين وأنت ربي .إلا من تكلني؟ ،إلى بعيد يتهجمني ؟ أم إلى عدو ملكته أمري؟ إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي، ولكن عافيتك هي أوسع لي ،أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات ،وصلح عليه أمر الدنيا والاخرة من أن ينزل بي غضبك أو يحل علي سخطك ،لك العتبى حتى ترضى ،ولاحول ولا قوة إلا بك .
إن سبب الطغيان هو الشعور بالاستغناء عن الله :(إن الانسان ليطغى أن رآه استغني) . ولا معنى لعبودية العبد إذا لم يستشعر فقره إلى مولاه. وإن السائرين إلى الله ، والدعاة إليه على وجه التحديد أقدر الناس على تذوق لذة المناجاة الممزوجة بالشعور بالفقر الى الله والاحساس بكثر سهام الغدر ،وشدة وطأة الظلم وقلة الأعوان على الخير وإعراض الناس عن الله.
وإن دموع المناجاة هذه ،هي التي تغسل درن القلوب وتبث البهجة في النفوس ، وتزيل عن كاهل الدعاة ثقل المعاناة وتنير بصائرهم بأنوار المعرفة ،وتقربهم من الله الكريم …
إلهي …أيا سيدي ومولاي ، أنا عبدك الفقير ضاق صدري بالآثام والهموم ،وليس لي رب سواك فأدعوه ، ليس لي إله غيرك فأرجوه .. إليك المفر ،وأنت وحدك المرتجي.. يا أمان الخائفين .. يا أمل البائسين.. يا ملاذ الهاربين.. يا رجاء المنقطعين أنا عبدك الذي أثقلت كاهله الذنوب وكسرت عزته العيوب ،وسدت في وجهه الأبواب … ها أنا ذا قد يممت وجهي شطر رحابك يا كريم ،ومددت اكف الضراعة الى ملكك يارحيم ، فأنت أكرم من أعطى ،وأرحم من سئل ، ياغياث المستغيثين ،أغثني بمدد من عندك ، واكلأني برعايتك ،واحفظني بحفظك…
الهي..إن تعذبني فبعدلك وإن تغفرلي فبرحمتك وإني مقر بكل الذي كان مني ،وانت أعلم بفجراتي وغدراتي ،وخطئي وعمدي ،وهزلي وجدي ،وكل ذلك عندي. أسألك بضعفي وقوتك وفقري وغناك وجهلي وعلمك أن لا تعذبني لأني أحبك ،وأحب نبيك محمد صلى الله عليه وسلم ،واحب الصالحين من عبادك . يا رحيم يا ودود، ياعالم السر مني لا تكشف الستر عني يارب إذا أمرت ملائكتك بأخذي الى النار ،فسأهتف بأعلى صوتي..
ياإلهي لا تعذب قلبا مملوءا بحبك وإن دنسته الشهوات ،ولا تحرمني معاشرة أقوام أحببتهم فيك ،إن قعدت بي ذنوبي عن إدراك ماوهبتهم من مقامات . يا إلهي ..لاتعذب ضعيفا كان يدل الأقوياء النجباء عليك ولاتحرق لسانا كان يحبب خلقك إليك ،ولا تشمت بي عدوك إبليس ،فإنه كان اعصى لك مني. فإني ما بارزتك بالمعاصي تحديا لك،ولا اصرارا عليها ،ولكن من فرط ثقتي في كرمك، وكبير الرجاء في رحمتك،عظيم ضعف جبلتني عليه.
إلهي…لا تعذب عينا دمعت ألما وحسرة على ما أصاب أمة حبيبك..وسهرت لأجل تبليغ رسالتك .حتى لا يقال عذب من دل عليه وأحرق بالنار من حذر منها . إلهي …وعزتك وجلالاك ..عدلك مطلق ،ولكن رحمتك أوسع ..وإن تعذبني فما ظلمتني ، وإن ترحمني فبما وصفت به نفسك “إني أنا الغفور الرحيم” إلهي …لا تجعل ذنوبي سبب ما أصاب أمتي وارحمنا ببركة الصادقين المخلصين المجاهدين وأنزل علينا سكينة تذقنا بها حلاوة الإيمان وترفع بها عنا الأحزان والألام.
اللهم آآمين وصل اللهم على سيدنا محمد .

اترك تعليقًا