” أيُّها المسلمون تعرَّضوا لنفحات العشر..”

” أيُّها المسلمون تعرَّضوا لنفحات العشر..”
إنَّ لربّكم ِفي أيَّام دهركم لنفحات، فتعرَّضوا لها.. المؤمن كيِّس فطن لذلك تجده من السَّبَّاقين لاغتنام الأيَّام الفاضلة والسَّاعات المباركة، فهو في حالة تأهُّب مستمر، بل في حالة استنفار قصوى لاستباق الخيرات وتحيُّن الفرص، كالدعاء ليلة القدر، ويوم عرفة، وساعة يوم الجمعة، وفي الثلث الأخير من الليل، والدعاء حال السفر، وفي مواضع السُّجود، لعلَّه أن يصيبه نفحة منها فلا يشقى بعدها أبدًا. نفحات وأيُّ نفحات.. ليالي وأيُّ ليالي.. مباركة، مشرقة، منيرة.. مسك ختام رمضان، وذروة العبودية، وتاج الرُّوحانية. هكذا يلطف بنا ربنا الكريم ويجعلنا في معرض نفحاته القدسية العظيمة. وإذا كان قد ذهب من الشهر أكثره، فقد بقي منه أفضله وأخيره، العشر الأواخر زبدته وثمرته وذروة سنامه.
يجتهد المسلم ويبذل الوُسع في هذه الأوقات، لأنَّه تأمَّل وتدبَّر صنيع نبيِّه الأكرم ماذا كان يفعل، وكيف كان يتصرَّف في مثل هذه الأيام المباركات. يقتطع من عمره ومن وقت دعوته كل سنة هذه الأيَّام العشر يفرِّغها التماسًا لليلة القدر. تقول أمُّنا عائشة رضي الله عنها:” إذا دخل العشر الأواخر، شدَّ مئزره، وأيقظ أهله، وأحي ليله.” وقد كان صلَّى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيرها.
رمضان يمضي والسِّباق يشتد، والجنَّة تزيَّنت وفُتحت لمن جد، والجائزة أُعدَّت لمن اجتهد. فلا يكن همُّك اللِّحاق، ولكن ليكن شعارك:” لن يسبقني إلى الله أحد.” قال تعالى:”ختامه مسك، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.”(آ.26 المطففين) وقال تعالى أيضًا:” .. فاستبقوا الخيرات..”(آ.148 البقرة) يقول ابن الجوزي رحمه الله:” إنَّ الخيل إذا شارفت نهاية المضمار، بذلت قُصارى جهدها لتفوز بالسِّباق، فلا تكن الخيل أفطن منك. ” ولا يكن الدِّيك أكيس منك، يستيقض باكرًا وتظلُّ أنت نائمًا. و إذا لم تستطع أن تنافس الصَّالحين والسَّابقين بالخيرات، فنافس المذنبين في استغفارهم، وفي كلٍّ خير.

لا ينبغي أنْ نُضيِّعَ ولو دقيقة من هذا الشَّهْر الفضِيل، وخاصة هذه الأيام الأخيرة منه في التَّفاهات والسفالات، وفي القِيلِ والقال وإِضاعة الجُهْد والوقْت والمال، وبعْثرتها هُنا وهُناك من غير ما فائدة أو مصلحة دينية أو دنيوية . المؤمن كيِّس فطِنٌ يعرف من أين تُؤتى البيوت، ومنْ أيْن تُؤْكلُ الكتِف، فهو مُوفَّقٌ بإذن الله تعالى، والغافل عليْه أنْ يَسْتفِيق قبل أنْ يندم و لات حين مَنْدَم. فالبدار البدار، والحذر الحذر، فالحسنات تتضاعف كما السمضَّيِّئات أيضًا تتضاعف. رمضان فرصة العمر، وربيع المؤمن، ومحطَّة مهمَّة للتَّزوُّد، والتَّوبة والاستغفار، والمراجعة والنَّدم على ما فات وضاع، فهو مشروع خير محدود المدَّة، مضمون الربح، فلننخرط فيه عسى الله أن يرحمنا، وأن يغفر لنا، وأن يعتق رقابنا ورقاب آبائنا وأمَّهاتنا من النَّار. اللهم إنَّك عفوٌّ تحب العفو فاعف عنَّا، اللهم إنَّا نسألك زيادة في الدين، وبركة في العمر، وصحَّة في الجسد، وسعة في الرّزق، وتوبة قبل الموت، وشهادة عند الموت، ومغفرة بعد الموت، وعفوًا عند الحساب، وأمانًا من العذاب، ونيل رضاك والفوز بالجنَّة. أسأل الله الكريم رب العرش العظيم، أن يجعل بلدنا هذا آمنًا مطمئنًّا سخاءً رخاءً، وسائر بلاد المسلمين، وأن يفكَّ أسر المسجد الأقصى من الصهاينة الغاصبين، اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد، يعزُّ فيه وليُّك، ويُؤمر فيه بطاعتك، ويُنهى فيه عن معصيتك. إنَّك وليُّ ذلك والقادر عليه، ولا حول ولا قوَّة إلَّا بالله العلي العظيم.
– جمال الدين عماري. السبت 22 رمضان 1438ه/17 جوان 2017م

اترك تعليقًا