الحراك الدبلوماسي الخليجي… واشنطن قد تنتقل من “المسهل” لـ”المساعد”

يبدو أنّ الموقف الأميركي قد تبلور أكثر، في اليومين الأخيرين، باتجاه التمهيد لحلّ الأزمة الخليجية، فإصرار وزير الخارجية ريكس تيلرسون، بمؤازرة وزير الدفاع جيمس ماتيس، لعب الدور الرئيسي في ترجيح هذا الخيار.

وتعزّز هذا الاعتقاد، بتوالي جملة تحركات ونشاطات ومواقف نافذة تصب في هذا المجرى، تُوّجت، بلقاء الوزير تيلرسون بـنظيره القطري، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، ثم بوزير الدولة للشؤون الحكومية الكويتي، محمد عبدالله الصباح، وتبيّن أنّ وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، موجود في واشنطن، وعقد لقاء خاصاً في مبنى السفارة مع عدد من الصحافيين ومن غير نقل حيّ، مؤكداً أنّ المطالب من قطر “غير قابلة للتفاوض”، لكن حضوره المفاجئ الذي كشفت عنه وزارة الخارجية السعودية عبر “تويتر”، أثار تكهنات بأنّه جرى استدعاؤه إلى واشنطن، للمشاركة في التحاور بإشراف تيلرسون، وأنّ كلامه المتشدد ربما كان أقرب إلى “قنبلة دخان”، قبيل البحث في تفاصيل المخرج.

غير أنّ الطريق لبلوغ الحل للأزمة الخليجية، إذا ما كتب له النجاح، ما زالت مزروعة بالألغام ما قد يقوّض مساعي تيلرسون، كما جرى الأسبوع الماضي، فالتضارب الواضح والمحرج بين خطاب وزارة الخارجية والبيت الأبيض، (تغريدات الرئيس دونالد ترامب، وما أدلى به المتحدث الرسمي شون سبايسر)، أثار عدم ارتياح تيلرسون لأنّه يساهم في “تقويض” جهوده التي يبذلها لتجاوز العقدة؛ حسب التسريبات التي أشارت إليها صحيفة “نيويورك تايمز”.

وزاد من إحباط تيلرسون، أنّه كان قد حصل من البيت الأبيض على ما يشبه التفويض “للتعامل مع هذا الملف”، لكن سرعان ما ارتد الرئيس ترامب على تفويضه، بتغريدة على “تويتر”، برّر فيها الشروط المطلوبة من قطر بزعم أنّها “ضرورية” رغم التسليم “بقساوتها”.

كما سارع المتحدث الرسمي باسم الرئيس شون سبايسر، إلى قطع الطريق على أي وساطة فعالة للوزير تيلرسون، من خلال توصيفه دور الإدارة بأنّه يقتصر على “التسهيل” فقط، وبعد أن “يُطلب منها” القيام بهذا الدور، ففي قاموس البيت الأبيض، الأزمة الخليجية “مشكلة عائلية وعلى أهلها تولي أمر حلّها”.

على هذه الخلفية، تفاعلت المواقف، لتأخذ منحى يتلاءم مع خطورة الوضع والتعامل معه في ضوء حقائقه على الأرض. وعلى هذا الأساس بادر تيلرسون إلى إصدار بيان، يفيد أنّه استأنف تحرّكه لترجمة موقفه المختلف عن موقف البيت الأبيض، وبما يتجاوز “التسهيل”، حيث أكد “مواصلة الاتصال بكافة الأطراف مع منح الدعم للوساطة الكويتية”. والأهم أنّه اعترف، وفي أول تعليق لمسؤول في الإدارة الأميركية على المطالب، أنّ بعضها “من الصعب جداً تلبيته”. وبدا تصنيف المطالب الخليجية من قطر، بهذا الشكل من قبل تيلرسون، بمثابة رسالة تدعو إلى التراجع عنها، باعتبارها تندرج في خانة الإملاء المرفوض.

وقد تعزّز هذا الخطاب الأميركي، بموقف رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ السناتور، بوب كروكر، الذي أعرب، أول أمس الإثنين، عن عزمه عرقلة صفقات بيع السلاح “للبلدان الخليجية”، والمقصود السعودية في الأساس، إذا تعذّر حل الأزمة مع قطر. إعلان يرفد توجّه تيلرسون، مع أنّ موافقة الكونغرس المسبقة غير مطلوبة في بيع السلاح؛ إلا إذا تبنّى مجلسا النواب والشيوخ قراراً بمنع تنفيذ الصفقات، لكن تبقى رسالته واضحة: هناك في الكونغرس سأم من انحياز البيت الأبيض للسعودية. ومثل هذا الكلام تكرّر، في الأيام الأخيرة، خاصة في وسائل الإعلام المؤثرة، وأوساط أهل الرأي الذين يحذّرون من انجرار الإدارة الأميركية، إلى تبنّي أجندة المملكة ومساعدتها على تنفيذ مرادها الفعلي الذي لا صلة له بمزاعم “دعم قطر للإرهاب”.

واليوم، عاد تيلرسون ليؤكد هذا التوجّه، قائلاً خلال استقباله الوزير الكويتي في مكتبه “نأمل أن تواصل الأطراف حوارهم بنية طيبة”. ملاحظته بدت أقرب إلى الغمز من زاوية تصريح الجبير المتشدد.

وكان تيلرسون، قد رفض التعليق، لدى استقباله نظيره القطري، الذي قال بعد خروجه من الاجتماع إنّ “هناك ادعاءات من قبل آخرين، نريد إثباتات عليها قبل الدخول في الحديث عن المطالب”. وأضاف “نحن والأميركيون متفقون على أن تكون المطالب معقولة ومستعدون للحوار إذا أرادوا”. وفي تعليقه على قول الجبير إنّ المطالب غير قابلة للتفاوض، أجاب الوزير القطري: “لا تتصرف الدول على هذا الأساس”.

وتقاطعت هذه الإشارات، عند ترجيح كفة مساعي تيلرسون، لا سيما أنّ آخر المؤشرات في هذا الصدد، ما كشفه مصدر في وزارة الخارجية الأميركية لـ”العربي الجديد” أنّ مهمة “التسهيل” الأميركية في حل الأزمة الخليجية، قد تتحوّل إلى دور “مساعد”.
المصدر : جريدة الرائد

اترك تعليقًا