“حاجة الفرد المسلم للتربية الإيمانيَّة.”
هكذا يدور الزَّمان دورتَه، ويرحل عنَّا خير الشُّهور شهر الصيام، شهر القرآن، شهر التَّوبة والرَّحمة والغفران، لا ريب أنَّه سيعود يومًا ما.. أمَّا نحن إذا غادرنا فلن نعود. ” حتى إذا جاء أحدهم الموت قال ربِّ ارجعون..”(آ.99 المؤمنون) ويبقى السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح، ويطرق أسماع المؤمنين في كلِّ آن وفي كلِّ مكان أنْ يا مؤمنين ماذا صنع بكم رمضان والقرآن والقيام!! إنَّ رأسمال الإنسان المؤمن إيمانه وتقواه، وصلاحه وهداه، وبدون هذه المعاني لا معنى لوجوده ولا قيمة.
إنَّ حاجة المسلم لموارد الإيمان حاجة ماسَّة، خاصَّةً في مثل هذه الظُّروف العصيبة الَّتي تمرُّ بها الأمَّة، منْ وَهنٍ وضُعفٍ، وقلَّةِ ثقةٍ في الغاية و في الطَّريق الموصل. قال تعالى:”إنَّما المؤمنون الَّذين إذا ذُكر الله وجِلتْ قُلوبُهم وإذا تُليتْ عليهُمُ آياتِهِ زادتهُم إيمانًا وعلى ربِّهم يتوكَّلون، الَّذين يُقيمون الصَّلاة وممَّا رزقناهم يُنْفقون، أولئك هم المؤمنون حقًّا لهم درجات عند ربِّهم ومغفرة ورزق كريم.”(آ.2إلى3 الأنفال)
إنَّ للإيمان الحق اذا خالط شغاف القلوب أثرٌ عظيمٌ على سلوك العبد ؛ يطبع الجوارح, و تتغيَّر النَّظرة الى الحياة والكون, فتتغيَّر المطالب والرَّغبات، و موازين النَّظر في الحياة والمواقف والعواطف، وتتغيَّر الآمال والمقاصد، ويتغيَّر الأسلوب والخطاب، بل حتَّى الألفاظ والعبارات. إنَّ الإيمان الحق إذا ترسَّخ في النُّفوس والقلوب، يُحدثُ انقلابًا في حياة الإنسان رأسًا على عقب. وفي قصَّة مؤمني آل فرعون الخبر اليقين، استمعْ إلى أوَّل انطباع وأوَّل موقف إيمانيٍّ لهم، بعد أنْ هدَّدهم الطَّاغية بتقطيع أيديهم وأرجُلِهم، وصلْبهم في جذوع النَّخل:”قالوا لن نُؤثرك على ما جاءنا من البيِّنات والَّذي فطرنا فاقض ما أنت قاض إنَّما تقضي هذه الحياة الدُّنيا، إنّا آمنَّا بربِّنا ليغفر لنا خطايانا وما أكْرهْتنا عليه من السِّحْر والله خيْرٌ وأبْقى.”(آ.72،73 طه) فالإيمان يُمدُّ صاحبَه بقوَّة وطاقة عجيبة، كيف لا وهو يستمدُّ من صاحب الحوْل والقوَّة القويُّ العزيز الجبَّار المتكبِّر سبحانه وتعالى عمَّا يُشركون، فضلًا عن أنَّه مُكَفِّرٌ للسَّيِّئات رافعٌ للدَّرجات.
وفي حياة صحابة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم والجيل الأوَّل والسَّلف الصَّالح، دليل وبرهان على أنَّ الإيمان يصنع الإنسان التَّقي، وفي حياة كلِّ إنسان انتقل من الكفر إلى الإيمان أثر وسمْت، موقف وحال.”وفي أنفسكم أفلا تبصرون.”(آ.21 الذاريات)
قال أحد العلماء:”والعقيدة أساس العمل، وعمل القلب أهم من عمل الجارحة، وتحصيل الكمال في كليهما مطلوب شرعًا و إن اختلفت مرتبتا الطلب.”(الأصل السابع عشر من الأصول العشرين، الإمام حسن البنَّا)
قال تعالى”ربَّنا إنَّنا سمعْنا مُناديًا يُنادي للإيمان أنْ آمنوا بربِّكم فآمنَّا…”(آ.193 آل عمران) المُنادِي هُنا هو القرْآن، وشجرة الإيمان يُنشئها ويبنيها القرْآن، حيْثُ له قُدْرة عجيبة على التَّأثير على النَّفس البشريَّة، وتغْييرها من الدَّاخل، ولتنمو وتزدهر وتُزهر تُسقى بالعمل الصَّالح وسائر الطَّاعات والعبادات. “والذين اهتدوا زادهم هُدًى وآتاهم تقواهم.”(آ.17 محمد) ألم ترَ ماحدث لسَحَرَةِ فِرْعون وتَحوُّلِهم في لَحْظَة من حالٍ إلى حال، بل أثره أعْظم.”ولوْ أنَّ قُرْآنًا سُيِّرت به الجبال أو قُطِّعت به الأرض أو كُلِّم به الموتى بل للَّه الأمر جميعًا…”(آ31 الرّعد) تأمَّل أثرَه على الجبال.”لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعًا مُتصدِّعًا من خِشية الله وتلك الأمثال نضربها للنَّاس لعلَّهم يتفكَّرون”(آ.21 الحشر) وهوَ الذي ما إن استمعتِ الجنُّ إليه حتَّى قالوا:”..إنَّا سَمعنا قرآنًا عجبًا، يهدي إلى الرُّشد فآمنا به ولن نُشرك بربِّنا أحدًا.”(آ.1،2 الجن)
تبقى نَتائِجُهُ مُذْهلة لو تأمَّلناها، ويبْقى أثَرُ هذه المُعْجِزة الخالدة إلى يوْم الدِّين. ونحْنُ المُسْلمون طُلَّاب إِيمان، والْأمَّة بلا إِيمان لا شيْء، والفَرْد بلا إِيمان لا شيْء، والقُرْآن يُنْشئ الإِيمان، ويَزيدُه، ويُعوِّضُ ما تَهالكَ منْه. ودعْنا نُؤكِّد حقيقة وهي أنَّ أعْظمَ إِعْجاز هو إِعْجاز التَّأْثِير الَّذي يَغْفلُه كَثِيرٌ منَ النَّاس، و إِعْجازُه الأَعْظم صَنِيعُهُ بِالقُلوب وتَأْثِيرُهُ بالنُّفوس. صحيح الإِيمان يَزيدُ بالطَّاعة و يَنْفصُ بالْمعْصِية، والقرْآن يبْني القاعدة الصَّحِيحة، والعمل الصَّالح يزيدُه.
– جمال الدين عماري. 7شوال 1438ه/1 جويلية 2017م