هل حان الشرق الأوسط الأمريكي بأيد خليجية…بقلم نائب رئيس الحركة الأستاذ أحمد الدان

بسم الله الرحمن الرحيم

هل حان الشرق الأوسط الأمريكي بأيد خليجية.

عندما أطلقت كونداليزا رايس مشروع الشرق الأوسط الجديد كانت تعني انطلاق برنامج طويل الأمد لصناعة مشهد جديد على مستوبين هما المستوى الإستراتيجي السياسي والعسكري والإقتصادي و المستوى الجغرافي الترابي بما يحتوي من مذاهب وإثنيات تنتمي إلى المنطقة.

إن أول الخطوات كانت هي تغيير الولاء من الدين أو القومية أو الوطنية إلى العرقية والطائفية والمذهبية لترسم من فسيفساء المنطقة دولا جديدة ورايات لا تنتمي للموروث الحضاري الإسلامي وإنما تعيد بعث انتماءات  ماقبل الدين أو خيارات تاريخية جزئية داخل المكون الديني والعرقي ذاته.

ومع تعاقب الإدارات الأمريكية المختلفة  لم يختلف المشروع الإستراتيجي الذي أكملته إدارة أوباما برؤية خاصة وتكمله اليوم إدارة ترامب بصيغ أكثر جرأة وسرعة بعيدا عن مراعاة أحاسيس الأمة الإسلامية لأن حكامها أفهموه أنها فقدت الإحساس وداعش وأخواتها أعطوه الإنطباع على مستوى الوحشية في الصراع.

إن مدار الشرق الأوسط الجديد يدور على قضيتين رئيستين هما :

• أمن الإحتلال الاسرائيلي والتفوق الإستراتيجي له من جهة .

• تأمين مصادر الطاقة بكل أشكالها من جهة ثانية.

ولأن التهدبد الإستراتيجي لهذه الأهداف هو وجود أمة متواصلة وشعوب منسجمة يمكنها صناعة المفاجأة وتغيير  الأنظمة الموالية لأمريكا فإن الهدف المستمر للتوترات هو امرين أساسيين :

• الأول :منع كل شكل من  أشكال الوحدة والإنسجام  والتعاون والتنسيق أو حتى السير المنفرد باتجاه واحد متواز .

• الثاني : هو منع الإستقرار المؤهل لامتلاك التقنية أو تحقيق الأمن الإقتصادي والأمن الإجتماعي والانصراف إلى صرف الأموال في المنافسة التقنية والعلمية.

انهما نفس الهدفين الاستراتيجيين لمؤتمر الغرب الاستراتيجي عام 1906 وعام1916 يتكرران بعنف ضمن استراتيجية أمريكا الجديدة وهي الحرب بدون دموع أمريكية والتي هي أيضا ترجمة وتطوير لرؤية استراتيجية سابقة عنوانها “نصر بلا حرب” ولأن النصر نهايته الغنيمة  وتشتيت قوى الأخر فإن الغنائم أخذت تحت ظلال سيوف الرقص على الأذقان ومشروع تشتيت قوى الأخر أصبح حيز التنفيذ وربما بدأت مقدمات ولادة الشرق أوسط الأمريكي الذي عبرت عنه كوندا بالجديد لاعتقادها أن كلمة الأمريكي لا تحقق النجاح خلافا لترامب الذي قال صراحة  بضرورة الجزية مقابل الحماية لأهل الذمة  الأمريكية لأنه لا يقبل الأمركة من الأخرين ولذلك أصدر مرسوما لمنع العديد من الشعوب المسلمة من دخول أمريكا  وحرمها عليهم رغم أنه دخل الى قلب قلب جزيرة العرب .

ان مشروع الشرق الاوسط الامريكي يستغل اليوم كل جذور الخلافات بين مكونات المنطقة وأهمها:

• الخلاف العرقي بين العرب والترك وبين العرب والفرس

• الخلاف المذهبي بين التيار الوهابي اللامذهبي وبين المذهبية الإسلامية المتنوعة في المنطقة.

• الخلاف العقدي الطائفي بين أهل السنة وبين الشيعة الذين تقود إيران مشروعهم الكبير.

• الخلاف بين القبائل التي وقفت مع الخلافة العثمانية والقبائل التي أسست  للدولة القطرية العربية.

• الخلاف على الزعامة في المنطقة بين المشاريع السياسية والاقتصادية .

• الخلاف بين مكونات العائلات الحاكمة في دول الخليج وصراع الهيمنة على الملك والدولة.

• الخلاف بين رؤى التحرير الإعلامي وقبول الرأي الأخر والديمقراطية وبين رؤى الانغلاق والتخدير المالي والقبلي والديني للشعوب.

ولعل أهم ما سيكون عليه هذا الشرق الأمريكي مستقبلا هو:

• تغير خارطة الدول الحالية وإعادة رسم الخارطة السياسية إما بابتلاع السعودية والعراق وعمان للدويلات المجاورة على حد رأي الدكتور النفيسي وإما بزيادة تفتيت الدول الحالية إلى دويلات طائفية و عرقية مثلما يحصل بالعراق الآن وتكون السعودية أول المقسمات.

• تحرير الكيان الصهيوني من حالة الرفض المستمر للتطبيع معه ووضع المنطقة كلها في حالة الفوضى الخلاقة بالنسبة للمشروع الصهيوني والأمريكي وإعطائه الفرصة الاستراتيجية من خلال صناعة الخوف البيني من جهة وتمكين الإحتلال الصهيوني من المعابر الجديدة مثلما يحصل مع جزيرتي تيران وصنافير

• صناعة وضع جديد للقضية الفلسطينية بتطبيق استراتيجية الوطن البديل عبر الانقلاب على المقاومة وجعل سيناء مساحة تمدد فلسطيني مراقب يعطي حلا لمصر من أزمتها في سيناء ويعزل المقاومة عن الأرض التي تنطلق منها في حربها ضد الإحتلال الصهيوني.

• يسمح لإيران بالتمدد الاستراتيجي في المناطق التي تسيطر عليها المذهبية الإيرانية مقابل خيارات تفاوضية تعيق الحضور الروسي الفاعل في مستقبل المنطقة وتبقيه على الوضع القديم وتنهي الأزمة السورية بتقديم سوريا قربانا على مذبح التقسيم.

• يجعل المنطقة مشحونة بالقواعد العسكرية ومهيأة لحرب عالمية يتوقع الجميع حصولها ، والجميع يحاول أن يجعل أراضيه محمية من دمارها بنقل الحرب إلى ساحة بعيدة فروسيا انتقلت إلى سوريا وإيران تنتقل إلى اليمن والعراق وتركيا تتقدم بقاعدتها نحو الخليج وأمريكا  تعزز وجودها وتوسع حضورها في المنطقة وتفرغها من المال لكي لا تحرقه الحرب واسرائيل تتقدم نحو البحر الأحمر .

 

إن صفقة القرن كما سماها ترامب تتعدد أوجهها الاستراتيجية اقتصاديا وسياسيا وأمنيا ولكنها تحقق الأهداف الامريكية بأيدي خليجية تربح فيها اسرائيل وتدفع شعوب المنطقة ضريبتها في كل الأبعاد وتضع المقاومة أمام خيارات ضيقة لكنها قد تكون بداية الفرج فإن الأمر إذا ضاق اتسع والمقاومة لن تكون محدودة الخيارات لأن لها هي أيضا رؤية أخرى لشرق أوسط جديد يمكن أن يصنعه مشروع المقاومة التي تعتصم بالله ثم بحقها المشروع وتحارب بنفسها وليس بالوكالة ويتعزز موقفها في الرأي العام الإسلامي والعربي ووسط كل الشعوب الحرة .

” والله غالب على أمره  ولكن أكثر الناس لا يعلمون “

اترك تعليقًا