العالم العربي و صراع المشاريع. ..الحلقة الثالثة -الجزء الرابع- بقلم نائب رئيس الحركة الأستاذ عبد القادر بن قرينة

الجزء الرابع
من الحلقة الثالثة :

العالم العربي و صراع المشاريع

ثانيا : محور دول الاعتدال
ان هذا المحور و الذي بدا يطلق مصطلحه الاول عموما بعد سقوط بغداد على دول : مصر و الارن و السعودية و الامارات ، و السلطة الفلسطينية ، الا انها في الحقيقة تشمل كل الدول الحليفة لأمريكا او التي ترقى لعلاقات استراتيجية معها ، و بالتالي تشمل معظم دول الخليج العربي ( مع بعض التباينات ، او الاستثناءات من الراعي الامريكي ) و الدول التي تربطها بإسرائيل اتفاقات سلام .
ان هذه الدول بقت الى حد كبير متناغمة مع بعضها و مع أسس السياسة الامريكية بالمنطقة فيما يسمى بشرق أوسط جديد ( بإستثناء مناكفات تتم بين الحين و الاخر بين السعودي و القطري ، و القطري و المصري ، لا تؤثر على التوجيه العام للسياسة الامريكية في المنطقة ، بل لربما حاجة امريكية للتنفيس في الساحة الملتهبة ) .
الا انه و بمجئ حراك الربيع العربي و سقوط الرئيس حسني مبارك ، انكفئ هذا المحور على ذاته و دخل بنوع من السبات ، لكن و لشعوره ان حراك الشعوب السلمي اذا أخذ مداه سوف يهدد عروش دول الملوك العربية ، لذلك استفاق ما تبقى من دولها و قرر اجهاضه بشتى الوسائل و الطرق .
و بالفعل أظهر هذا المحور قدرة كبيرة على الفعل والمبادرة في العديد من الساحات :
– الالتفاف على الثورة اليمنية و فرض الوصاية عليها .
– الانقلاب على الشرعية في مصر .
– الدفع بعسكرة الحراك بكل الساحات و نجحت في ليبيا و لاحقاً بسوريا .
و بالفعل احدثت جرحا نازفا في اليمن و كذلك في ليبيا و في سوريا و لايزال ( اخرها إقامة قاعدة عسكرية إماراتية بشرق ليبيا بالمناطق التي يسيطر عليها حفتر ) .
و كاد ان يحدث مثل ذلك في تونس لولا عناية الله بتدخل الجزائر بحزم بوجه هذا المخطط ، الذي كان يستهدف إحداث الفوضى و الفلتان فيها ،
و حقق هذا المحور نجاحات في أكثر من دولة ووضع استهداف خيارات الشعوب والانقلاب عليها في مقدمة أولوياته و إهتماماته ، و تعفين اغلب الساحات بالاحتراب ، وعلى الرغم من خصومته و تنافسه مع المحور الإيراني إلا أنه لم يجد حرجا في تقاطع المصالح والتنسيق وإيجاد بعض التفاهمات بينهما ببعض الساحات .
الا ان هذا المحور به عدة تنوعات و تعقيدات و خصوصيات وصلت لحد التصادم و التنافر احيانا بحيث مقارباتهم قبل وفاة الملك عبدالله و بعده لعدة ملفات متباينة و متناقضة و احيانا متحاربة كما هو الحال :
في الموقف من الربيع العربي و في حصارغزة و كيفية إعمارها و التآمر على المقاومة و في اعلانهم او سرية تحالفات بعضهم مع المحتل الاسرائيلي ، و تباين تلك الرؤى بين مكونات هذا المحور عميقة كذلك في الموقف من انقلاب مصر و في ليبيا و في اليمن و في سوريا و مع السيسي في النظرة لفتنة سوريا ( اذ ان مصر ترى فيه تهديدا للاستغناء عن جزء من فعالية قناة السويس لو تم إمداد أنابيب الغاز و النفط الخليجي عبر سوريا الى المتوسط ) و كذا في ملف الصحراء الغربية و كذا حول تركيا قبل الانقلاب و بعده و في القرن الأفريقي و غير ذلك .
– و حيث ان رأس الحربة في هذا المحور هو المملكة السعودية يجب التسجيل ان دورها اصبح يتضاءل و يستغنى عليه
على الاقل لستة أسباب :

– أ : مشكلتها الداخلية بحيث مستقبل الحكم غامض لحد الان نتيجة التنافس بين أفراد العائلة في كيفية انتقال الحكم بين الآباء و الأبناء و بين الأبناء و الأبناء ( رغم الوضوح و الحسم الظاهري مؤخرا ) .

– ب : توسيع دائرة فعلها مما شتت جهدها على جميع الساحات ( مصر اليمن ليبيا سوريا البحرين العراق لبنان الصحراء الغربية تركيا و حماية نظام المماليك بتوسيع مجلس التعاون الخليجي ليضم الاردن و المملكة المغربية ، و مع ايران و روسيا في حرب أسعار النفط ، و اخيراً الأزمة مع قطر ، و غير ذلك ،،، )

– ج : تراجع أسعار النفط و تدهور الوضع الاجتماعي و الاقتصادي للملكة و ازدهار اكتشافات الغاز الصخري و الطاقات الجديدة كبديل مستقبلي لنفط المملكة .

– د : إعلانها لموقفها المبدئ المعادي لما يسمى بالإسلام السياسي او الحركة الاسلامية عموما عدا الوهابية السياسية ، و المداخلة ، جردها من تأثيرها في قطاعات واسعة في الساحات العربية و كذا الاسلامية ، كما أفقدها حليفا سنيا مؤثرا يمكن ان يكون بجنبها .

– ه : المناكفئة المستمرة مع إمارة قطر و تباين وجهات النظر، و حرص الإمارة على توظيف نظرتها و تسويقها عبر قناة الجزيرة الواسعة الانتشار .

– و : بعدما كانت الوهابية السياسية تشكل مرتكزا لتثبيت أركان حكم العائلة السعودية منذ نشأت المملكة أصبحت تدريجياً تشكل عبأ على المملكة و خطرا على امريكا و التي طلبت رسميا من المملكة بضرورة تحجيمها و الإسراع بانهائيها لأربعة أسباب أساسية :

اولا :
صارت الوهابية السياسية متهمة و تُحَمَّلُ المسؤولية بأنها هي من أوجدت بيئة فقهية مشرعنة للإرهاب و التطرف

ثانيا :
تزويدها لجميع ساحات الاحتراب بفيالق من المجاهدين المزعومين خلفيتهم العقدية و الفكرية صاغها و بناها هذا المنهج .

و ثانيا :
الاستغناء عن دور الوهابية السياسيّة الذي كلفت به بعد نجاح الثورة الإيرانية للتصدي للظاهرة الخمينية و إفتعال حرب طائفية سنية شيعية .

و ثالثا :
الانتهاء من الحاجة لتكليفاتها السابقة بإصدار ترسانة من الفتاوي الداعمة لما اوهموا به شباب المسلمين انه جهاد المقدس ضد التواجد السوفياتي و المعسكر الاشتراكي عموما في أفغانستان والشيشان وفي دول البلقان البوسنة و الهرسك و دول يوغسلافيا سابقا ، و حاليا في ليبيا و سوريا .

مع ملاحظة ان وجود الحرمين الشريفين على ارض المملكة يعطيها رمزية كبيرة في مرجعية المسلمين عموما و خاصة السنة منهم .
كما و ان هذا المحور استطاع ان يعلن و يقود تحالفين نتيجة هذه الرمزية اي رمزية الحرمين الشريفين و رمزية المملكة ، و نتيجة أموال النفط ، و هما :
– عاصفة الحزم ضد الحوثي و صالح باليمن و بالرغم انها تجاوزت السنتين الا انها لم تأتي الا بالمآسي على شعب اليمن و لم تؤمن المملكة من خطر الحوثي ، و لم تمكن هادي من التربع على عرش صنعاء .
– التحالف الدولي الاسلامي ضد الإرهاب تبين لاحقاً بعد مجئ ترامب للملكة ، و حسب تصريحات متتالية لوزير خارجية المملكة ، تم تعريفه على ان قوى الاٍرهاب المستهدفة هي جماعة الاخوان المسلمين و حركة المقاومة الاسلامية حماس و دولة ايران و لواحقها بمختلف الساحات العربية ، و قناة الجزيرة ، و توجهات إمارة قطر لعلاقتها بهذه المكونات كما صدر من تصريحات الخارجية السعودية .

مع ملاحظة ان عموم دول الثورة المضادة او دول المماليك هي دول غير ديمقراطية و الحكم بها وراثي لا ينبثق عن الاختيار الحر عن طريق الشورى او الديمقراطية و باغلب دولها تُصَادرُ فيها الحريات الخاصة و العامة .

– إن دخولها في الأزمة الاخيرة مع احدى مكونات مجلس التعاون الخليجي ادخل الخلل الى عمق جغرافيتها مما يفرض تدخل إرادات دولية لتجاوز الأزمة ، يترتب عليه حتما انتهاك لسياداتها و التي لم تكن محصنة اصلا بشكل كبيير .

يتبع باذن الله بالجزء الخامس

اترك تعليقًا