بوابات الأقصى.. بين الادعاءات الأمنية وتغيير الوقائع

لليوم الثالث على التوالي تستمر اعتصامات الفلسطينيين على بوابات المسجد الأقصى ورفضهم الدخول إليه عبر بوابات الفحص الإلكترونية التي وضعتها السلطات الإسرائيلية كشرط للدخول إلى باحات الأقصى والصلاة فيه.
أهالي القدس أكدوا رفضهم الدخول إلى الأقصى عبر البوابات الإلكترونية، مؤكدين على حقهم بالدخول إليه عبر بواباته الرئيسية دون تفتيش ودون قيود إسرائيلية تتعارض مع حرية العبادة، لكن إسرائيل لا تزال مصرة على أن لا دخول إلا عبر هذه البوابات، ورئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو أكد أن البوابات لن تزال، في معركة هي أقرب إلى معارك كسر العظم بين الطرفين.
من الناحية العملية لا يمكن تنفيذ التفتيش بواسطة الأجهزة الإلكترونية على مداخل الأقصى، خاصة أنه يؤم المسجد لأداء صلاة الجمعة عشرات آلاف المصلين، ولا يمكن إخضاع هذا العدد الضخم للتفتيش عبر البوابات الإلكترونية التي لا يمكنها أيضا منع العمليات التي ممكن أن تحدث قبل الوصول إليها.

الإجراءات الإسرائيلية
لم يكن الهجوم الذي قام به ثلاثة من الفلسطينيين من مدينة أم الفحم الأول في البلدة القديمة من القدس، فمعظم الأحداث كانت على مرمى حجر من المسجد الأقصى، لكنه يتميز بأن المهاجمين انطلقوا هذه المرة من داخل المسجد نفسه باتجاه أفراد الشرطة الإسرائيلية المتمركزين على بابه.
“ما قامت به إسرائيل بعد عملية الجمعة يشير إلى حد كبير إلى أن سيناريوهات وخططا إسرائيلية كانت موضوعة وجاهزة من قبل”
بعد الهجوم أغلقت إسرائيل ولأول مرة منذ عام 1967 الأقصى بالكامل ومنعت إقامة صلاة الجمعة فيه وأعادت فتحه فقط بعد يومين بعد عمليات تفتيش واسعة في أروقته وساحاته (الادعاء الإسرائيلي أن السلاح الذي استخدم بالهجوم كان موجودا من فترة ومخبأ في باحات الأقصى، لكن عمليات البحث ليومين لم تجد شيئا حقيقيا)، وبعد إعادة فتح المسجد إسرائيل قالت إنه لا دخول إلا عبر البوابات الإلكترونية.
ما قامت به إسرائيل بعد عملية الجمعة يشير إلى حد كبير إلى أن سيناريوهات وخططا إسرائيلية كانت موضوعة وجاهزة من قبل وكان الهجوم هو المسوغ لتنفيذها، وتدعي إسرائيل أن ما تقوم به هو ذو دواعٍ أمنية بحتة، لكن التخوف الفلسطيني من أن الخطوات الإسرائيلية هي بداية لفرض سيطرة على كامل الأقصى.
رد الفعل العربي والإسلامي وحتى الفلسطيني الرسمي على الإغلاقات جاء باهتا جدا، حتى أن البعض أعطى إسرائيل المسوغ لما تفعل، ليس هذا فقط فقد أشارت بعض المصادر الصحفية إلى أن إعادة فتح المسجد الأقصى ووضع البوابات الإلكترونية جاءا بعد تفاهمات إسرائيلية بوساطة أميركية مع بعض كبرى الدول العربية الإسلامية.

المس بالستاتيكو
تصر الحكومة الإسرائيلية ورئيسها على أن لا تغيير على الـ”ستاتيكو” (Status Quo) أو الوضع الراهن بالأقصى، فنتنياهو استخدم مصطلحا تاريخيا له دلالاته المعروفة ومعناه المحدد “ستاتيكو” الذي يعني في القدس “إبقاء القديم على قدمه ” أو “الحفاظ على الوضع الراهن”، والوضع الراهن هنا يعني ما كان عليه حال المدينة والأقصى أيام الدولة العثمانية، لأن أصل المصطلح وبدايات استعماله يرجعان إلى تلك الحقبة الزمنية، حيث تم التوافق بين جميع القيادات الدينية في حينه وتحت سلطة الدولة العثمانية الحاكمة على الحفاظ على تلك الصورة القائمة التي من شأنها أن تحفظ حقوق الأديان والطوائف، وأن تحمي المعالم التاريخية والدينية، وأن تصون هوية الأماكن والمقدسات وتبعيتها الإدارية، وكذلك الأدوار والصلاحيات الدينية والتاريخية للجميع.
“تصر الحكومة الإسرائيلية ورئيسها على أن لا تغيير على الـ”ستاتيكو”(Status Quo) أو الوضع الراهن بالأقصى”
التوافق على قانون “ستاتيكو” في القدس كان من أجل حفظ الأمن والاستقرار للمدينة المقدسة وأهلها وللمنطقة والعالم أجمع، لأن القدس مدينة مقدسة لجميع الديانات السماوية ووضعها على درجة عالية من الحساسية، ويمكن لأي مساس -غير مسؤول- بوضعيتها أن يزعزع أمنها وأمن المنطقة والعالم أجمع.
إسرائيل تقول إنها لم ولن تغير شيئا من الوضع الراهن، وإن إجراءاتها أمنية بحتة لا تهدف لأي سيطرة، لكن المتابع للأمور يرى أن إسرائيل تسعى على الأقل إلى فرض إرادتها على من يريد الدخول للصلاة في الأقصى، ولا أدل من ذلك أن أفرادا من الشرطة الإسرائيلية أرادوا إجبار كل من يريد الدخول إلى المسجد الأقصى من الباب المعروف باسم باب المجلس من خلال البوابات الإلكترونية مع أنها معطلة وغير موصولة بالكهرباء ولا تعمل! كنوع من تعويد الناس على المرور من خلالها.
“تعتبر القدس الشرقية وفقا للمعايير والقوانين الدولية منطقة محتلة، ولا يعترف المجتمع الدولي والقانون الدولي بها كجزء من دولة إسرائيل”
حرية العبادة
تنص المادة الـ18 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن “لكل شخص الحق في حرية الفكر والوجدان والدين، ويشمل هذا الحق حريته في تغيير دينه أو معتقده، وحريته في إظهار دينه أو معتقده بالتعبد وإقامة الشعائر والممارسة والتعليم بمفرده أو مع جماعة وأمام الملأ أو على حدة”.
تعتبر القدس الشرقية وفقا للمعايير والقوانين الدولية منطقة محتلة، ولا يعترف المجتمع الدولي والقانون الدولي بها كجزء من دولة إسرائيل، وبالتالي فإن المعاهدات والمواثيق الدولية المتعلقة بالأراضي المحتلة بما في ذلك اتفاقية جنيف الرابعة لسنة 1949 هي التي تنطبق على القدس الشرقية.
الشرطة الإسرائيلية تستعمل العنف مع المصلين الذين يرفضون الدخول عبر البوابات ويصرون على الصلاة على أبواب الأقصى، مما يشكل انتهاكا لحرية العبادة وحق ممارسة الشعائر الدينية التي كفلتها الشرائع والمواثيق الدولية، خاصة الشرعية الدولية لحقوق الإنسان، كما يمكن تفسير هذا العنف بأنه انتهاك للمادة الـ53 من بروتوكول جنيف الأول لسنة 1977 التي حظرت الأعمال العدائية الموجهة ضد أماكن العبادة التي تشكل التراث الثقافي والروحي للشعوب.
إسرائيل منعت وحدت بالسابق من دخول المصلين إلى باحات الأقصى وطالما حددت دخول المصلين إلى المسجد الأقصى بعمر محدد، وفي التوجهات القانونية إلى المحكمة العليا الإسرائيلية رفضت المحكمة إلزام السلطات الإسرائيلية بمنع تحديد الأعمار استنادا إلى أن حرية العبادة إذا ما تعارضت مع السلم الأهلي والنظام العام فبإمكان السلطات تحديد الدخول، كما أنها تمنع في معظم أيام العام دخول الفلسطينيين من سكان الضفة الغربية إلى القدس والوصول إلى أماكن العبادة داخل أسوار القدس القديمة إلا بتصريح دخول خاص.
“لا شك في أن استمرار الصلاة على أبواب المسجد الأقصى يسبب إرباكا ليس بالبسيط لإسرائيل أمام العالم”
إسرائيل ترى أن بوابتها الإلكترونية الجديدة لا تحد ولا تمنع أي شخص من الدخول إلى الأقصى للصلاة فيه، وتبرر أن وجودها مهم لدواع أمنية لمنع إدخال أي أسلحة إليه، مع العلم أنه حتى تاريخ هجوم الجمعة كانت الشرطة الإسرائيلية هي الوحيدة التي تدخل المسجد بسلاحها، ونتائج كل عمليات البحث لم تجد أي أسلحة.

في المقابل، يرى الفلسطينيون أن هذه البوابات تحد من حريتهم في ممارسة عقيدتهم وتؤثر وتعرقل دخولهم إلى المسجد الأقصى، وهي ذات أبعاد سياسية لفرض أمر واقع ولا تحمل أي طابع أمني.
التوجهات القانونية
لم يحدث أي توجه قانوني إلى الآن فيما يخص البوابات الإلكترونية، التوجهات التي حدثت كانت تتعلق بالإغلاقات الإسرائيلية ومنع الدخول إلى البلدة القديمة في القدس، وبأي حال حاليا لا أرى أن أي توجه إلى المحكمة العليا سيفيد، فالادعاء الأمني جاهز من جهة، والادعاء أن الدخول مسموح لكل من يريد عبر البوابات سيكون ذا ثقل كبير في المحكمة التي ستوازن مرة أخرى بين عدة اعتبارات.
ولا شك في أن استمرار الصلاة على أبواب المسجد الأقصى يسبب إرباكا ليس بالبسيط لإسرائيل أمام العالم من ناحية، ويدعوها لإنزال قوات كبيرة من الشرطة وشرطة حرس الحدود للحفاظ على الأمن من ناحية أخرى، وهذا يضر باسم إسرائيل وصورتها عالميا وانتهاكها لحرية الأديان وحرية العبادة.
المصدر : الجزيرة

اترك تعليقًا