” صاحب الرسالة منشغل ومهموم بقضايا وطنه وأمته.. ” بقلم الأستاذ جمال الدين عماري

في خضمِّ الأحداث الإقليمية والدولية الأخيرة المتسارعة، وما طرأ من مفاجآت ومستجدات غير سارَّة، بل مُحزنة في كثير من الأحيان، تُؤلم شعور كل إنسان حرٍّ أصيل يحبُّ الخير والأمن والاستقرار و الرَّفاه لأهله ووطنه وسائر بلاد المسلمين، بل وللإنسانية جمعاء. فنحن كجزائريين نألم و نتالَّم كثيرًا لما نسمعه ونلحظه من مآسٍ يندى لها الجبين، تقع وللأسف الشديد بين إخوة أشقاء، تربطنا بهم روابط وأواصر متينة، تضرب بجذورها في أعماق التاريخ. لذا نحن نأسف لما وقع ويقع على التَّوالي.
1) الأحداث السَّاخنة، والحروب الأخيرة، والدماء التي تسيل في كثير من الأقطار العربية كما هو الحال في سوريا والعراق، وفي ليبيا واليمن، والتَّوترات التي نسمع عنها في مصر وغيرها من الأوطان. أقول هذا لأننا كجزائريين عانينا كثيرًا من ظلم الاستدمار الفرنسي الغاشم عقودًا من الزمن، ذاق آباؤنا وأجدادنا مرارة الحيف والضَّيم والظُّلم، فقاوموا وثاروا ، وقدَّموا فاتورة غالية – مليون ونصف مليون من الشهداء- انتزعوا بها الحرية والاستقلال، الذي ننعم نحن الخلف اليوم تحت ظلاله الوارفة، فلله الحمد والمنَّة، وجازى الله مجاهدينا الأبطال وشهدائنا الأبرار وعلمائنا ومصلحينا الأخيار خير الجزاء.
إن َّرابطة العقيدة والدين، ورابطة الهويَّة والتاريخ والمصير المشترك، فضلًا عن رابطة الجغرافيا تأبى علينا أن نكون مرتاحين مطمئنِّين راضين بما يحدث في هذه البلدان من مشاكساات ونزاعات وعداوات بين أبناء الجلدة الواحدة، كادت تأتي على الأخضر واليابس، وتهدم البنية التَّحتية وتستنزف الموارد المختلة، والمجالات الحيوية، التي هي قوام كل بنيان، ودعامة كل تقدم وازدهار.
ويبقى السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح، من المستفيد يا ترى من وراء هذا الدمار الشامل؟!
2) ما تعلَّق بأزمة الخليج، والفتنة التي كشَّرت عن أنيابها بفعلة فاعل، الفتنة نائمة لعن الله من أيقضها وخطَّط لها و أقَّتَ، وأشعل فتيلها، بعد أنْ حرَّكها فأوقع العداوة والبغضاء بين ذوي الرَّحم الوحدة، الذين جمعتهم العشرة الطيبة وحُسن الجوار ردحًا من الزمن. فما دهاهم اليوم يتعادون ويتباغضون ويتناحرون، ويكيدون لبعضهم بعضًا المكائد والمؤامرات، ويمكرون لبعضهم، وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال! علَّق أحد المتتبِّعين للشَّأن السِّياسي عن الخلاف الحاصل بين الدول الخليجية الثلاث. المملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات المتحدة، والبحرين من جهة ودولة قطر من جهة ثانية فقال:” دويلات صغيرة ترتكب أخطاء كبيرة، تنجرُّ عنها مشاكل كثيرة.” هذه التَّداعيات التي قد تمتد فينتج عنها مآلات وعواقب غير محمودة – لا قدَّر الله – على المنطقة العربية بأكملها، وحينها يعضُّ الظالمون البادئون بالظُّلم على أيديهم ويقولون يا ليتنا ما شققنا صفَّ الأمة الواحدة، وما فعلنا الذي فعلنا! ويبقى السؤال المركزي يطرح نفسه بإلحاح، من المستفيد يا تُرى من وراء إشعال هذه الفتنة الهوجاء القاصمة للظهر المفرِّقة للجَمع؟!
3) ما يحدث من انتهاكات صارخة لحرمة بيت المقدس، واعتداء على المرابطين والمرابطات وإخراجهم من المسجد الأقصى والحيلولة دون الصلاة فيه، وتشريد المقدسيين وسجنهم والتَّنكيل بهم وهدم بيوتهم، والحصار الغاشم على أهل غزَّة الصابرين الصامدين الذي طال أمده، وما يتعرض له أهل الضفة الغربية من ظلم، وما يقع لعرب ثماني وأربعين من إهانة واحتقار وتمييز عنصري فظيع.

ما يحدث في بيت المقدس، وفي أكناف بيت المقدس، أمر يهم المسلمين قاطبة، فقضية فلسطين ليست قضية الفلسطنيين وحدهم، بل قضية كل العرب والمسلمين، بدليل قوله تعالى:” سبحان الذي أسرى بعبده ليلًا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله..”(آ.1 الإسراء) كذلك الحديث المروي عن زياد بن أبي سودة عن ميمونة مولاة النبي حين سألت النبي صلى الله عليه وسلم يا رسول الله افتنا في بيت المقدس ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” ائتوه فصلوا فيه – وكانت البلاد إذْ ذاك حربًا – فإنْ لم تأتوه وتصلوا فيه، فابعثوا بزيتٍ يُسرجُ في قناديله.”(تخريج الحديث من كلام الشيخ الألباني) فلسطين أرض مقدسة لأنها سكن الأنبياء، ومهبط الوحي والرسالات، أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، مسرى رسولنا الأكرم صلى الهح عليه وسلم، فهي ليست قضية جغرافيا وأرض بل قل قضية عقيدة وعِرض، فكيف نتركها أو ننساها أو نتهاون بشأنها.
قضية فلسطين هي القضية المركزية للأمة لا ريب في ذلك. قال الشيخ محمد البشير الإبراهيمي رحمة الله عليه:” إنَّ فلسطين وديعة محمد صلَّى الله عليه وسلم عندنا، وأمانة عمر في ذمَّتنا، وعهد الإسلام في أعناقنا، فلئن أخذها اليهود منا ونحن عصبة، إنَّا إذًا لخاسرون.” قال الرئيس الراحل هواري بومدين رحمة الله عليه:” نحن مع فلسطين ظالمة أو مظلومة.” وقد كانت القضية المركزية ضمن آخر ما أوصى به الشيخ محفوظ نحناح رحمة الله عليه، وهو على فراش الموت يصارع سكراته.
نحن في الجزائر وإن اختلفنا في بعض الجزئيات البسيطة تجمعنا لا ريب ثلاث أمور عظيمة: (الجزائر، الإسلام، فلسطين) وفي فهمنا وفي عقيدتنا من فرَّط في فلسطين مطعون في انتمائه، ومن حاربها وناصبها العداء فمشكوك في تديُّنه. نعم نحن في الجزائر تربطنا ببيت المقدس قصَّة عشق قديم. كنَّا صغارًا نسمع (أنَّ فلان حجْ وقدَّس)، اللهم فكَّ أسر بيت المقدس، وأكناف بيت المقدس.
– جمال الدين عماري. الأحد 29 شوال 1438ه/ 23 جويلية 2017م.

اترك تعليقًا