غابُوا أم غُيِبوا؟!، تنازلوا عنها أم أُنزِلوا من عليها؟!، طَلَّقُوا السياسة أم هي من طالبت بالخُلع فانفصلت عنهم؟! كلها أسئلة تتبادر إلى ذهن المتأمل بعين فاحصة للساحة السياسية اليوم، قاعات تشتعل رؤوس مُعمّريها شيبا والعجيب أنّ مجلسهم وخطابهم السياسي لا يخلوا من تثمين دور الشباب وضرورة منحهم المشعل، وأيّ مشعل يتناوله الشباب وأنتم تعُضون عليه النواجد!، لست أدري سر هذه المفارقة الغريبة: خطاب سياسي عن الشباب يُلقيه الشيوخ ويتلقاه الشيوخ أنفسهم!!!
إن المسؤولية يتحملها الطرفان الرئيسان في الإشكالية فلا الشباب يبادر ويسعى إلى فرض نفسه كفرض عيْن من خلال وُلوجه عالم السياسة من أبوابه الأمامية والخلفية وإن لزِم الأمر ولوجه من النوافذ والأساطيح فقد جاز له شرعيةٍ وليس شرعا سرقة الدور القيادي والريادي من أيْدٍ مرتعشة ووجوه ملّت السياسة نفسها منهم، ألن يُقَدّر للسياسة أن تعيش قصة حب مع الشباب أم أنه العشق الممنوع!؟..
ومن جهة معاكسة، نجد الشباب غير مبالٍ بالشأن السياسي صادّا عنه معرضا نائيا بجنبه مستطيرا من كل أمرٍ قد يربطه بالعمل النضالي، لقد أقنع نفسه بأن الأمر لا يستحق حتى عناء التفكير فما بالك المحاولة. بإمكاننا حصر أسباب عزوفه عن الفعل السياسي لأسباب أربعة:
1_ جهله بأصول السياسة وفحوى السياسة بما هي أسلوب حضاري وعلمٌ إنساني يبدأ من الإنسان وينتهي إليه وبصورة أبسط السياسةُ هي ترجمةُ مدخلاتِ الحالة الإجتماعية إلى مخرجات سلطوية -قرارات سياسية- يكون فيها التناسب بين الاجتماعي والسلطوي أقرب إلى الطَردية والتماشي قُرب الحاجب من العين، لو وعِي الشباب بهذه النقطة لغيروا تلك القناعات لديهم والتي كانت بمثابة مسلمات لا يجوز المساس بها نهائيا.
2_الظروف الإجتماعية الناجمة عن مخرجات السياسة وبالتحديد السلطة ( التشريعية والتنفيذية والقضائية ) بدرجة كبيرة والأحزاب السياسة (الموالاة والمعارضة ) بدرجة أقل، فالسلطة بقوانينها المُعُدِمة لأيّ بذرة من بذور الرغبة في التغيير والإصلاح وشغل رأي المجتمع المدني بتلك القوانين ( الإقتصادية منها ) وما تجُره من تبعات خانقة للوضع المعيشي صارفةً الشباب البّطال وراء لقمة عيشٍ يتسولونها في برامج دعم وتشغيل الشباب ” لونساج ” وغيرها فاستوى بذلك الشاب المتخرج من حرم الجامعة مع آخرَ لا يعرف الباء من التاء !
3_ التعنت والإكتناز الشخصي للفعل السياسي، خاصة الدور الريادي منه واحتكاره كأنّ القيامة قامت فترى رؤساء الاحزاب وقياداته محافظين على الدور الرئاسي والقيادي وحال نفسهم تقول: “نفسي نفسي”!، أين ثقافة توزيع السلطة أم أنّ السلطة صارت كالزوجة يتزوجونها مثنى وثلاث ورباع أو ما ملكت أيمانهم!
4 _السبب الرابع والأخير هو المحتوى التعليمي الفارغ والمُفرغ من ضروريات العمل السياسي أو كأضعف الإيمان فقهٌ سياسيٌ يجعل الفرد على دراية بالعبث السياسي الذي يطال البلاد والعباد ليساهم بثقافة سياسية كان قد إكتسبها من المفروض في تدرجه التعليمي إنطلاقا من المتوسطة وحتى ولوجه الجامعة مساهمةً فعالة تضع العابث في مواجه عبثه صاغرا ذليلا فلا يعلوا بذلك للمفسدين راية وسباحتم في بحر الجزائر ممنوعة لأن الشباب رفع في وجهم الراية الحمراء.
ختاما، إنّ الشباب يفترش الهامش مكسور الخاطر معْقُودُ اللسان مقوضُ العقل والتفكير، أُشبِع عقاقيرا ومخدرات مفعولها الأوّلي تنفيره من السياسة ومفعولها الرئيسي تطليقه للسياسة بالثلاث، فتُفسَح الطريق بمصراعيها لخفافيش الظلام ليشربوا دماء الشعب قطرة قطرة وهو في لغوٍ معرضٌ ومحجمٌ بحجة واهنة مفادها “هات تخطي راسي”!!!
الشباب الحلقة المفقودة في الساحة السياسة
