شبابنا بين الفقه الأعرج، والفهم الدَّقيق للدِّين وللحياة…للأستاذ جمال الدين عماري

” شبابنا بين الفقه الأعرج، والفهم الدَّقيق للدِّين وللحياة. ”

الشباب مورد بشري هام وأعظم ثروة تمتلكها الشعوب، فهو العمود الفقري لكلِّ مجتمع، وعماد نهضة كلِّ أمَّة وسرُّ تقدمها وازدهارها، ذلك لما يتميَّزون ويتمتَّعون به من قوَّة وفتوَّة وحماسة ونشاط، وسرعة مبادرة للأعمال الجليلة. “.. إنَّهم فِتيةٌ آمنوا بربِّهم وزدناهم هُدًى.”(آ.13 الكهف) فالمواقف العظيمة والمنجزات الكبيرة ، الحركات والثَّورات والدَّعوات التي غيَّرت مجرى التَّاريخ كان من ورائها فتية وشباب، حقيقة تاريخية لا يماري فيها أحد. فكيف إذا كانوا يُشكِّلون أكبر نسبة في عدد السُّكان في وطننا العربي، ممَّا يستوجب إعطاء أهمية قصوى وعناية كبرى – إنْ على المستوى الرسمي أو المستوى الشعبي – لهذه الشَّريحة الحيَّة من أبنائنا حتَّى تُؤدي دورها الرِّيادي بنجاح.

هل يا ترى اقتربنا منهم ونزلنا إلى عالمهم، واحتككنا بهم وعايشناهم عن قرب، وتحسَّسنا أحوالهم عن كثب، كيف يفكِّرون وكيف يتفاعلون، وماذا يريدون؟ أم مازلنا نُخاطبهم من برج عاجي، مخاطبة الطر شان؟! وضعية الشباب، ظروفهم، اهتماماتهم وطموحاتهم، مطالبهم، آراؤهم وقراءاتهم النَّقدية، مبادراتهم ومساهماتهم ومشاركاتهم في التَّنمية الشاملة.. كلُّها عناوين لمضامين جديرة بالبحث والمساءلة، و إدارة النقاش المسئول والحوار المفتوح حولها، بكل عفوية وحرية و ديمقراطية، واحترام الرَّأي والرَّأي الآخر. من أجل الوقوف على حقيقة ما تعيشه هذه الفئة فكريًّا ووجدانيًّا وسلوكيًّا واجتماعيًّا، وماديًا واقتصاديًّا، ومد يد المساعدة لها كي تنهض بمهمتها في الحياة.
ومن العوامل التي جعلت شبابنا يعاني:
1) الأزمة الاقتصادية وما أفرزته من بطالة وفراغ.
2) التَّسرُّب المدرسي، وما تعانيه المنظومة التربوية من اختلال.
3) غياب سياسة ثقافية رشيدة.
4) غياب سياسة إعلامية رشيدة
5) الخطاب الديني الموغل في التقليد، و غياب أو تغييب الدور الحقيقي للمسجد.
6) الزهد في القراءة والمطالعة، وضعف الرغبة في التحصيل العلمي المعرفي.
7) عدم الاستثمار في التنمية البشرية.
8) ندرة القدوات المؤثِّرة، وضعف الموجود منها.
9) الانبهار والانسياق وراء حضارة الغرب المادية.
9) الميل مع تيَّار المغريات والشهوات والشبهات.
هذه العوامل وغيرها أوجدت حالة أزمة في الأوساط المجتمعية ككل وخاصة عند الشباب، الذين تتجاذبهم أو يتوزَّعون على فئاتٍ ثلاث هي:

أ) المنبهرون بالحضارة المادية، المعجبون بنجوم الفن والرياضة، المقلِّدون لكلِّ وافد آتٍ من هناك في اللباس وفي تسريحة الشَّعر، وما إلى ذلك من صنوف التقليد الأعمى لحضارة الغرب، يحسبون أنَّها من مستلزمات العصرنة والتَّقدم. وهم أحوج ما يكون للاحتضان والمرافقة والنصح والتوجيه بنشر الوعي في أوساطهم لردِّهم إلى الجادة والصواب.

ب) شريحة أخرى على النقيض من الفئة “أ” تتموقع في أقصى اليمين لهم فهمهم الخاص الذي كثيرًا ما جنى عليهم، فأوقعهم في صدامات ونزاعات وخلافات، مما جعل عموم الناس يستغربون طروحاتهم بل يرفضونها، فأصبحوا يعيشون عزلة قاتلة لا تُنبئ بدور إيجابي لهم في المجتمع، جرَّاء الفهم الأعوج والفقه الأعرج الذي همُّه التَّنفير والتَّعسير ليس إلَّا.

ج) الفئة الثالثة وسط ليست بالمنفلتة ولا المتعصبة، إنَّهم أهل الوسطية والاعتدال من بناتنا وأبنائنا المثقفين الذين يملكون فهمًا دقيقًا للدين وللحياة على حدٍّ سواء، شعارهم لا إفراط ولا تفريط. يتحمَّسون لدعوتهم ولدينهم، يحبون شعبهم، ويبنون وطنهم بصدق وإخلاص.
– جمال الدين عماري. 01 أوت 2017م الموافق لـ :09 ذو القعدة 1438هـ.

اترك تعليقًا