لا شك ان تخلي الدول العربية عن عمقها الافريقي ، وقبل ذلك تخليها عن المبادئ التي قامت عليها الشراكة الاستراتيجية مع الدول الافريقية بعد حرب الـ67 ،والتي قامت على مناهضة الاستعمار والعنصرية ،وفي حركة تضامنية واسعة قطعت جل الدول الافريقية علاقتها مع اسرائيل ،وتسبب الفراغ الذي تركته الدول العربية تجاذبا كبيرا واطماعا لكثير من لدول ، فدخلت إيران على الخط وتوغلت من خلال استثمارات متزايدة ، ودخلت تركيا على الخط وأعدت استراتيجية متكاملة من اجل تطوير العلاقات الاقتصادية معها وتحصلت على صفة مراقب في الاتحاد الافريقي .وكان حافزا لاسرائيل ان تسرع من وتيرة العمل للدخول ايضا ولم يغب عن اسرائيل هذا العمق الاسترتيجي منذ أن تأسست دولتهم المزعومة حين وضع “بن قريون” “خطة شد الأطراف” وهي ربط العلاقة مع الدول المحيطة بالدول الاسلامية ، تركيا وإثيوبيا وإيران (قبل أن تكون اسلامية) .في إطار تحصين دولته من حصار الدول العربية والإسلامية.ولازال هذا الكيان في سعي حثيث من أجل تحقيق حلمه في توسيع دولته من الفرات الى النيل ، وتأمين منابع المياه وأسباب الحياة وكسر العزلة التي طالته حتى من دول افريقية بعيدة عن أمنه القومي ،وإقناع هذه الدول بتحسين العلاقة ، لتتوج مساعيه المتزايدة في الاونة الاخيرة بزيارات متبادلة وعلاقات حميمية . يراد لها أن تتوج بحدث كبير يبشر به هذا الكيان وهو مؤتمر افريقيا واسرائيل .ليدخلها نتنياهو فاتحا مرحبا به .
فتحت شعار ً بناء الجسور نحو تقاسم أكبر للرفاهية “تقرر إسرائيل ودولة توقو عقد مؤتمر “إفريقيا واسرائيل” في نهاية اكتوبر القادم. مع من سيلبي الدعوة من الدول الافريقية ،بعد جولة قادها نتنياهو العام الماضي لعديد من الدول الافريقية حاملا شعار” أفريقيا تعود الى اسرائيل واسرائيل تعود الى افريقيا” .كل هذا وسط غزل بين “نتنياهو” والرئيس التوقولي “غناسينغبا” الذي عبر فيه عن حلمه بهذه العودة وتحقيق هذا الشعار،أثناء زيارته الأخيرة للقدس ، ليصبح رجل اسرائيل وتصبح توقو بوابة اسرائيل لإفريقيا ، من أجل التوغل أكثر فيها ،سعيا لأن تكون الشريك الأساسي والأقوى أمام تنافس محموم على القارة بمسوغات التمكين من الرفاهية من خلال الاستثمار والقروض والإعانات.
ولازات دعوى محاربة الارهاب هي المدخل الأنسب للكيان الصهيوني الذي يمكنه من مواصلة تصدير السلاح ، وتعليم التكنولوجيات العسكرية والاستخباراتية وتدريب الجيوش ، وقد بلغ صفقة السلاح في 2016 فقط 275 مليون دولار ، وبلغ عدد العسكريين الأفارقة الذين تلقوا تدريبهم في اسرائيل نحو 42636افريقيا .ويقومون بتدريب الحرس الرئاسي لعدد من الدول الافريقية من بينها توقو. وعند الحديث عن تجارة السلاح وتدريب الجيوش تعود بنا الذاكرة الأليمة لما حدث في رواندا من مجازر سنة 1994م أشهرها قتل 8 آلاف مواطن خلال ثلاث أشهر فقط ، ولازالت تتستر المحاكم الإسرائيلية على صفقات السلاح التي كانت تصدرها اسرائيل ما قبل سنوات الحرب الاهلية الى يومنا هذا ،بحجة الأمن القومي الصهيوني .ولازالت هذا الكيان يحتل المراتب الاولى من ضمن الدول الكبرى المصدرة للسلاح .ليدرك الأفارقة أكذوبة الرفاهية التي ستجلبها اسرائيل للقارة ، وهي تقتات في كل الدول الاسلامية على مصطلح الارهاب وتجارة السلاح وإذكاء الفتن واشعال الحروب ، بعيدا عما تدعيه من تقديم النموذج الأمثل والناجح الذي يمكن ان يحتذى به في افريقيا .
وجاء هذا التحرك عندما ترك العرب ذلك الفراغ الرهيب بعد قطع الدول الافريقية العلاقة مع الكيان الصهيوني تضامنا مع الدول العربية ومصر تحديدا ومع فلسطين ،وتأسست علاقة مبنية على القيم المناهضة للظلم والاستعمار والتمييز العنصري ، وكانت هذه القيم أساسا للشراكة الاستراتيجية العربية الإفريقية .بمقابل الدولة العدوانية العنصرية المتمثلة في الكيان الصهيوني، ولعبت الدول الافريقية دورا بارزا في الأمم المتحدة في مناهضة الكيان الصهيوني،آخرها قانون رقم 2334 الذي تقدمت به السنغال وأربع دول تدين فيه الاستيطان الاسرائيلي في الضفة الغربية ،لتنخرط السنغال بعدها في التطبيع مجددا بعد ان تعهد رئيسها “ماكي سال” بعدم العمل ضد اسرائيل مجددا في الامم المتحدة. على غرار كثيرا من الدول الافريقية التي أصبحت تقيم علاقة مع اسرائيل .وظلت هذه العلاقة سرية لتنتقل هذه السنة الى العلن من خلال قمة توقو ،بعدما بذلت جهودا كبيرة وخاصة في السنوات الأخيرة من اجل التغلغل في افريقيا وتحويلها الى قارة صديقة، وكتلة مساعدة في الأمم المتحدة من اجل تمرير مشاريعها الاجرامية في فلسطين . وقد نجحت اخيرا في إيصال مندوبها الدائم في الجمعية العمومية الى مركز نائب الرئيس ، في ظل تخلي الدول العربية عن افريقيا وانشغالها بالصراعات والفتن الداخلية ومحاربة الشعوب والنكوص عن الديمقراطية وتدني حقوق الانسان وانتشار الفقر والبطالة والظلم ، فلم تصبح النموذج الأمني والاقتصادي الذي يحتذى به ،ولا نموذج الدول الممانعة والمقاومة للكيان الصهيوني منذ معاهدة كامب ديفد مع مصر، الى بداية إرهاصات التطبيع مع بلد الحرمين الشريفين ، فلم تصبح نموذجا دينيا ولا سياسيا يغري الدول الافريقية ، لتسقط مبررات الشراكة الاستراتيجية التي تأسست عليها العلاقة العربية الافريقية . لتأتي ما أسمتها اسرائيل ب”قفزة الضفدع “الى ما وراء الدول العربية مستهدفة الدول التي لازالت تتمنع على التطبيع علانية ولازالت شعوبها تنتفض ضد كل حركات التطبيع بجميع أنواعه وتشكل حرجا لحكوماتها وسدا منيعا ،بل أصبح التطبيع في هذه الدول يشكل تهديدا وخطرا داخليا حقيقا بما يسبب ذلك من غضب لدى الشعوب لا يوازيه خطر الفقر ولا خطر غياب الديمقراطية والحريات ، لأنه يتصل بالعقيدة والعرض ،ويتعلق بالاستعمار والعنصرية والظلم ،فلازالت هذه الدول تشكل عائقا دون التمدد الاسرائيلي في بلدانها وفي القارة الافريقية ،حيث يشكلون وزنا وامتدادا وكتلة ضاغطة في الاتحاد الافريقي ، وهنا يأتي التخطيط الاسرائيلي من خلال “قفزة الضفدع” لتشكل حزاما وحصارا لهذه الدول من جهة الساحل الصحراوي . ولإسرائيل الادوات الكافية لترويض هذه الدول إذا أوجدت لنفسها قاعدة صلبة وعلاقات استراتيجية معها لتكون منطلقا لزعزعة استقرار هذه الدول ، وكل الظروف الجيوسياسية مهيأة بامتياز ، بالنظر الى الوضع الليبي والتوتر المغربي الجزائري والتواطؤ العربي مع هذا المسعى.
وهذا الذي ستجنيه الدول العربية عموما ودول المغرب العربي خصوصا من حصار و ما سيتبعه من عدم استقرار إذا ما لم تتحرك لوأد هذه القمة أو التقليل من تأثيرها أو تجريدها من محتواها .
وظلت الجزائر تشعر بهذا الخطر ،وهي تحرك حملة دبلوماسية من اجل رفض اقتراب هذا الكيان من افريقيا واعتماده كمراقب للاتحاد الافريقي .وصرح بذلك وزير الدبلوماسية الجزائري السابق رمطان لعمامرة “أن الجزائر ترفض أي تواجد صهيوني في هياكل الاتحاد الافريقي ” من منطلق تأييد الجزائر المطلق للقضية الفلسطينية لتبقى الحقائق على الارض ومدى إمكانية الجزائر في التصدي الى هذه الحملة وقدرتها على التأثير في الدول الافريقية ليكون اختبارا حقيقيا لمدى نفوذها ، وخاصة أن هذا التقارب يشكل تهديدا مباشرا لأمنها القومي وهي المستهدف العنيد والعصي على الكيان الصهيوني
إسرائيل وقفزة الضفدع بقلم الأستاذ عبد الحميد بن سالم
