الشباب عقول واعية، قلوب حيَّة، عطاء دائم ومتجدِّد…..الأستاذ جمال الدين عماري

” الشباب عقول واعية، قلوب حيَّة، عطاء دائم ومتجدِّد..”
الإنسان كما خلقه المولى عزَّ وجل عقل يستوعب، وقلب يحب، وبدن يتحرَّك. وقد سلَّحه القدر بمواهب وطاقات وقدرات هائلة، وأصبغ عليه من النِّعم الظَّاهرة و الباطنة ما لا عدَّ له ولا حصر.” وما بكم من نعمة فمن الله..”(آ.53 النحل) أي ما بكم من نعمة هداية، وصحَّة جسد، وسِعة رزق وولد وغيرها.. فمن الباري عزَّ وجل.”وإنْ تعدُّوا نعمة الله لا تحصوها إنَّ اللهَ لغفور رحيم”(آ.18 النحل) ولو أنَّه لا يستخدم إلَّا النَّزر اليسير منها، والمتبقِّي يستبطنه ليعود معه إلى قبره للأسف الشَّديد، ولو وظَّفها جميعَها لصنع الأعاجيب. وما البحوث والاكتشافات والمخترعات، والعمران والحضارات، وكل المنجزات الأخرى إلَّا من بنات أفكاره، وصنيع يديه.
وهو بذلك مُمتحن ومُبتلى، إمَّا يؤدي حقَّ هذه النِّعم فيشكر الواهب المُنعم، وإمَّا يتمرَّد على منْ يُمدُّه بالأنفاس فيجحد ويكفر. قال تعالى على لسان أحد عباده الشَّاكرين وأنبيائه المرسلين، سيدنا سليمان عليه السلام:”..قال هذا من فضل ربِّي ليبلوني أأشكر أم أكفر، ومن شكر فإنَّما يشكر لنفسه، ومن كفر فإنَّ ربي غنيٌّ كريم.”(آ.40 النمل) ولله سنن وقوانين لا يُحابي بها أحدًا كائنًا من كان، من يتحرَّاها ويعمل بها يُحقِّق مبتغاه. “كُلًّا نُمدُّ هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربِّك وما كان عطاءُ ربِّك محظورًا.”(آ.20 الإسراء) فخزائن الله ملْأى وأرزاقه تتْرى، وما عندنا – إنْ كُنَّا نملك حقًّا – ينفذ وما عند الله باق.”وإنْ من شيء إلَّا عندنا خزائنه، وما نُنزِّله إلَّا بقدرٍ معلوم.”(آ.21 الحجر) الخزائن كلُّها بيد الله، يُعطي من يشاء ويمنع من يشاء، بحسب رحمته الواسعة وحِكمته البالغة.
إلى متى ونحن غافلون عن هذه الخيرات، فلا نشكر ولا نُحدِّث بها! بعض الناس يتصوَّر أنَّ الرِّزق في الدِّينار والدُّولار، في الدَّار وفي السِّيارة والعقَّار، في القناطير المقنطرة من الذهب والفضة فقط، وحال صاحب هذا التَّصور الخاطئ، كمن ينظر أمامه مترًا واحدًا، ولا يُلقي ببصره إلى الآفاق الرَّحبة، وينسى أنَّ ما تكرَّم به الباري عزَّ وجل أعظم وأعظم بكثير..
مرحلة الشَّباب رزق، وصحَّتهم وعافيتهم رزق، ونجاحهم في دراستهم رزق، وصلاحهم أعظم رزق..ففيما ينبغي أن نُوظِّف نعمة العقل والفكر، إذا لم نسعَ جادِّين في طلب العلم وتحصيله والاستزادة منه، بشدِّ الرِّحال إلى أهله وثني الرُّكب أمامهم والأخذ عنهم. نعمة البصر، نعمة البصيرة، حياة القلب بما تكون، وكيف نُجلي عنه غبار الدُّنيا ورواسب المادة، بما يلين، وبما ينشرح الصَّدر، كيف لا وهو من أعزِّ ما نملك، الصلاة تُريحه، الذِّكر يُطمئنه، الأوراد تُنعشه، والقرآن يُحييه. واجب الوقت كيف نرصُده، صدق النِّيَّة في احتساب الأجر عند الله كيف نتحقَّق به، العمل الصَّالح كيف نفهمه، فنكون عمليِّين أكثر، لأنَّ من عَلِم أنَّ كلامَه جزءًا من عمله، قلَّ كلامُه وكثُر عملُه، وإنَّما يتفاضل النَّاس بأعمالهم. الدنيا دار عمل، والأعوام منَّا تنصرم، و الأيَّام تُنتزع منَّا انتزاعًا، شعرنا بذلك أم لم نشعر، فإذا لم نُسارع ونُبادر وننافس أهل الخير والإصلاح، ستلفظنا الفانية إلى الباقية، فنصبح عظامًا نَخِرة لا نستطيع أن نزيد في حسنة، ولا أن نُنقص من سيِّئة. إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلَّا من ثلاث…الحديث) فالبدار، البدار قبل انقضاء الآجال، فإنَّ لكلِّ خافقةٍ سكون، ولا ندري السُّكون متى يكون؟ قال تعالى:” يا أيُّها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربَّكم وافعلوا الخير لعلَّكم تفلحون.”(آ.77 الحج)
ما قيمة الصِّحة والعافية والعلم والمال والحكمة إذا لم تُستغل في خدمة الأسرة والأهل والأقارب والجيران والأحباب ! ما قيمة الأوقات إذا لم تُستثمر في الدَّعوة إلى الهر، والمبادرة إلى الصَّالحات من الأعمال، كنفع الخلْق وخدمة النَّاس، ومساعدة المحتاجين، وتعليم الجاهل وتذكير الغافل، ونشر الوعي، وتصحيح المفاهيم، والمساهمة في نظافة البيئة، وإدارة الشَّأن العام، وإفادة البلاد والعباد، والهح في عون العبد مادام العبد في عون أخيه. وطننا وأمتنا ينتظران منَّا الكثير، فلنسارع، ولنبادر، ولننخرط في أعمال ومشاريع الخير، كالنَّقابات وجمعيات المجتمع المدني السياسيَّة والخيريِّة والرياضيَّة والثقافية وما أكثرها !
جدِّد العهد وجنِّبني الكلام *** إنَّما الإسلام دين العاملين.
اللهم أهدنا وسدِّدنا.
– جمال الدين عماري. الاثنين 15 أوت 2017م/ 21 ذي القعدة 1438هجري.

اترك تعليقًا