علَّمني السَّفر.. أشياء كثيرة.
– أنَّ في الحركة بركة، وأنَّ الحركة وَلود والسُّكون جمود.
– لا يختلف اثنان عاقلان على أنَّ السَّفر مدرسة مفتوحة للجميع، إلَّا من أبى.
– السَّفر والحركة والانتقال وشد الرِّحال من مكان إلى آخر، يُكسب الإنسان منافع وفوائد جمَّة لا عدَّ لها ولا حصر. ولأمر ما قال تعالى:” هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا، فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور.”(آ.15 الملك) وقوله صلى الله عليه وسلم:” ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن، دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد على ولده.”(رواه أبو داود والترمذي وحسَّنه الألباني) وقديمًا قال الشاعر:” فإن تغرَّب هذا عزَّ مطلبه * وإنْ تغرَّب ذاك عزَّ كالذَّهب.
– ففي الالتقاء بالأحباب والأصدقاء، يستمتع المرء بدفء العلاقة الأخوية، ويرتشف من معينها الصَّافي.
– علَّمني السَّفر أن أستمع وأنصت أكثر مما أتكلَّم، وأن أُعطي فرصة للآخر كي يُدلي بما عنده، حتَّى يستفرغ ما في جعبته، وأن لا أُقاطعه إلَّا بقدر ما أجعله يُوضِّح أو يُفصِّل أكثر.
– أنَّ الناس معادن ومقامات، وما من أحد إلَّا وبإمكانك أنْ تتعلم منه إذا أردت، فقط أن تنتبه وتُركِّز.
– السَّفر التقاء واحتكاك، اتِّصال وتواصل، نقاش وحوار وتبادل أفكار، عشرة طيِّبة وفرصة للتَّعارف عن قرب، فليس من سمع كمن رأى، فتضيف إلى رصيدك معلومات وخبرات وتجارب الآخرين فتتَّسع مداركك الفكريَّة وتنضج معالم الرُّشد عندك.
– في سفرك عليك أن تفتح عقلك وقلبك لآراء ووجهات نظر غيرك، أن تقرأها وتتأمَّلها وتتدبَّرها، ثمَّ تصفِّيها، فتختار وتروم ما تراه مناسبًا ومنسجمًا مع مقاصد الشَّرع ومنطق العقل وصحيح العلم.
– في سفره يقف المرء على الكم الهائل المتنوِّع من البيئات والأماكن والأشخاص، والأمزجة والأفكار، والمواقف والأنشطة والأعمال، فتنمو عنده ملكة أو قل مهارة المقارنة بين ما عنده وعند غيره، رغبة في الوصول إلى مصداقية وصوابية أكبر، فالحق أحق أن يُتَّبع، والحكمة ضالَّة المؤمن.
– تعلمت في سفري هذا من أحبابي وإخواني الكثير الكثير، تعلمت منهم أصالة المعدن عند الإنسان الجزائري وكرم الضيافة، والتَّواضع الجم، والتَّضحية الغالية، والأخلاق العالية، والثقافة المتبحرة، والتربية الرشيدة، والذَّوق الرفيع.
– تعلَّمتُ منهم وأحسست منهم جميعًا رغم اختلاف الأعمار، والمستويات الثقافية والعلمية، والتَّباعد الجغرافي، تشابه كبير إلى حدِّ التَّطابق في الهمَّة العالية، والاهتمام الكبير بقضايا الدِّين والوطن والأمة، كلُّهم حرقة، ونيَّة صادقة، ورغبة قويَّة، لمست ذلك في نقاشهم وسمتهم وصمتهم.
– علَّمني السَّفر أنَّ بلدي الجزائر جميلة، رائعة، متألِّقة.. في أُناسها ومدنها، وسهولها وسهوبها وجبالها، في مروجها وغاباتها، في جسورها وطرقاتها، في عمرانها ومنشآتها، في مساجدها وجامعاتها ومؤسساتها، في كلِّ ما اكتحلت به عيناي عبر الطريق السَّيار شرق غرب.. اللهم احفظ بلدي الجزائر من كلِّ شر.
– جمال الدين عماري. سدراتة/سوق أهراس. الجمعة06 /10/2017م/15 محرم 1439ه.
علَّمني السَّفر.. أشياء كثيرة…للأستاذ جمال الدين عماري
