“خطر على الأمن العام”… ذريعة الجزائر لإقصاء مرشحين للبلديات

Fبقلم الصحفي عثمان نجاري
21 أكتوبر 2017
أقصت السلطات الجزائرية عدداً كبيراً من المرشحين للانتخابات البلدية المقررة في 23 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، أي أكثر من أي استحقاق انتخابي سابق، لكن اليافطة التي أُدرج تحتها هذا الإقصاء، كانت شبهة وصفتها الأحزاب السياسية المتضررة بـ”الشبهة الغامضة والمطاطية”، وشملت أيضاً عدداً من المنتسبين السابقين لـ”الجبهة الإسلامية للإنقاذ” المحظورة.
فحين لا تجد السلطات الجزائرية مبرراً لإقصاء مرشحين لا ترغب في تواجدهم في المجالس المنتخبة ومؤسسات الحكم المحلي، تدوّن على ملفات ترشّحهم تهمة “خطر على الأمن العام”، من دون تفسير طبيعة هذا الخطر، ومن دون وجود المرشح المُقصَى قيد الملاحقة القضائية أو الأمنية. ولم تجد الأحزاب السياسية جهة تشكو إليها تعسّف الجهاز الإداري المشرف على الانتخابات التابع لوزارة الداخلية، بعدما رفعت الهيئة المستقلة لمراقبة الانتخابات التي عيّنها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بزعم مراقبة الانتخابات يدها وسلّمت بأمر التعسف الإداري الحاصل بشأن قوائم المرشحين.
“من اللافت أن حملة الإقصاء تستهدف بصفة خاصة رؤساء القوائم”أكثر من حزب سياسي يرفع بطاقة حمراء في وجه الجهاز الإداري الذي يتولى معالجة ملفات المرشحين، قبل أقل من أسبوعين من بدء الحملة الانتخابية. وتعتبر الأحزاب السياسية التدابير بحقّ القوائم المرشحة، بمثابة تزوير مسبق للانتخابات وإخلال بالقانون وإضرار بمصداقية الانتخابات.
ويستغرب المتحدث باسم “حركة البناء الوطني”، كمال قرابة، من إلقاء تهمة “خطر على الأمن العام” على مرشحين، هم في الوقت الحالي أعضاء منتخبون في المجالس البلدية أو الولائية. ويقول إن “ما نستغربه أن منتخبين سابقين ومنتخبين حاليين في المجالس المحلية، ولما أعادوا ترشيح أنفسهم تم إسقاط أسمائهم لذات العلة”.
ويعتقد أن “السلطات تحاول التدخل مسبقاً لصالح أحزاب السلطة والموالاة”، قائلاً إنه “من اللافت أن حملة الإقصاء تستهدف بصفة خاصة رؤساء القوائم، الذين يشكلون منافسة حقيقية لقوائم الأحزاب التي تحظى بالرعاية من الإدارة، وقانون الانتخابات الجائر ينصّ على أنه حين يسقط اسم من القائمة لا يعوّض بالمرشح الذي يليه، وإنما يعوّض من خارج القائمة تماماً”. ويشير قرابة إلى أن “حملة الإقصاءات التي مسّت خاصة أحزاب المعارضة هي مجرد مرحلة من مراحل محاولة السلطة تحييد قوى المعارضة”. وينوّه إلى أن “السلطة وضعت سقفاً لحضور الأحزاب في المجالس عبر ثلاث عقبات، هي فرض التوقيعات بأثر رجعي على الأحزاب الجديدة وكذلك التي قاطعت الانتخابات السابقة، ومن استوفى التوقيعات تسقط القائمة برفض جزء هام منها تعسفاً، ثم إسقاط القوائم ورؤوس القوائم والمرتبين الأوائل من الرجال والنساء بحكم قضائي، ثمّ الإقصاء بتهمة الخطر على الأمن العام”.
أما أحمد صادق عن “حركة مجتمع السلم”، فيرى أن “الغرابة تكمن في أن بعض المرشحين تمّ قبول ترشيحهم في الانتخابات البرلمانية التي جرت في الرابع من مايو/أيار الماضي، ونافسوا في هذه الانتخاباتوكادوا أن يصبحوا نواباً في البرلمان. ولم تر الإدارة أنهم خطر على الأمن العام، وبعد أقلّ من أربعة أشهر أعيد ترشيحهم في الانتخابات المحلية، فتمّ إقصاؤهم بداعي أنهم خطر على الأمن العام”.
“جزء من الكوادر والمرشحين الذين تم إقصاؤهم كان بسبب علاقتهم أو علاقة أفراد من عائلاتهم سابقاً بالجبهة الإسلامية للإنقاذ”في خضمّ هذا التشابك، يُسجّل إخفاق القضاء الإداري المستحدث في الجزائر في إثبات وجوده ومصداقيته، مع مسايرة أغلب المحاكم الإدارية التي يلجأ إليها المرشحون المقصيون والأحزاب السياسية، لقرارات الجهاز الإداري، من دون تعليل قانوني لإقصاء المرشحين. وهو ما يعبّر عنه الأمين العام لحركة النهضة، محمد دويبي، بالقول إن “انحدار القضاء والعدالة في تأييد قرارات جائرة وغير صحيحة في حق مرشحين، بحجة أنهم خطر على الأمن من دون وجود مبررات قانونية أو أحكام قضائية ضدهم، هو نوع من التعسّف الإداري الذي لم يتمكن القضاء الإداري من رده. وهنا نحن ومجموعة أحزاب سياسية نشعر باستسلام القضاء للسلطة وتغول الجهاز الإداري على القضاء”. ويعتقد قانونيون ونشطاء حقوقيون، أن “السلطة في الجزائر تخرق قانون الانتخابات الذي وضعته بنفسها، وتتمترس وراء عقبات غير قانونية لإقصاء من تريد”.
في هذا السياق، يوضح الناشط الحقوقي عبد الغني بادي، المسألة، لـ”العربي الجديد”، قائلاً إنه “فيما يتعلق بتهمة (خطر على الأمن العام)، فهي تهمة مطاطة يمكن إلصاقها بأي شخص، سواء كان مسبوقا قضائياً أم لا. فقد تعتبر السلطة، بحسب هذه التهمة، نوع الخطاب السياسي أو التوجه الفكري خطرا على الأمن العام. وهي نفس العبارة التي اعتمدها قانون الجمعيات عندما تتجه الإدارة لرفض جمعية ما بسبب الأمن العام أو المصلحة العليا للوطن”. ويضيف أن “السلطة تستعمل هذه المصطلحات الفلسفية المطاطة انتقاماً من خصومها السياسيين، حتى إنها مقننة في تشريعاتها لاستعمالها متى شاءت، لأنه يفترض أن السند القانوني الوحيد للإدارة الذي يمكّنها من رفض الترشيحات هو ملف السوابق العدلية لا غير، ولا يمكنها رفض أي شخص بمبرر فضفاض مثل الأمن العام، وهذا تعسف مناقض للقانون”.
أمام ما تصفه الأحزاب السياسية المعارضة بحملة الإقصاء والتجاوزات، يُطرح سؤال عن الدور الحقيقي للهيئة المستقلة لمراقبة الانتخابات، التي أقرّ الرئيس عبد العزيز بوتفليقة إنشاءها بقيادة كادر إسلامي ودبلوماسي سابق، وهو عبد الوهاب دربال، والتي تسوّق لها السلطة على أنها هي، لكن الأداء الباهت لهذه اللجنة في الانتخابات البرلمانية في الرابع من مايو الماضي، طغى على كل شيء.
جزء من الكوادر والمرشحين الذين تم إقصاؤهم من مختلف الأحزاب السياسية سواء كانت موالية للسلطةأو معارضة، كان بسبب علاقتهم أو علاقة أفراد من عائلاتهم سابقاً بـ”الجبهة الإسلامية للإنقاذ”، المحظورة منذ مارس/آذار 1992، فمع كل استحقاق انتخابي يعاد طرح مسألة المشاركة السياسية لكوادر ومناضلي الجبهة، أو كانوا محسوبين عليها، وتلقى عليهم شبهة “خطر على الأمن العام”، و”المشاركة في المأساة الوطنية”، ويتم إقصاؤهم من الترشح للانتخابات. وهو ما يعيد الجدل مجدداً حول مآلات المصالحة الوطنية، لناحية ادّعاءات السلطة بالتصالح المجتمعي وإعادة إدماج هؤلاء في المجتمع، في مقابل استمرار حرمانهم من كامل حقوقهم المدنية والسياسية.
“السلطة تتعامل مع كوادر ومناضلي جبهة الإنقاذ بمكيالين”في هذا الإطار، يشير الناشط الحقوقي عبد الغني بادي، في حديثٍ لـ”العربي الجديد”، إلى أن “السلطة تتعامل مع كوادر ومناضلي جبهة الإنقاذ بمكيالين، فمنهم من تم إدراجه وتم منحه امتيازات، ومنهم من ما زال يعاني من تعسف وظلم في تمكينه من حقوقه السياسية والمدنية، فحرمان أي شخص من الترشح هو انتهاك للدستور والمواثيق الدولية. ولا يمكن حرمان أي شخص من الترشح إلا بعد أن يكون قد تم حرمانه بحكم قضائي صريح، ولا يمكن أن يتجاوز هذا الحرمان عشر سنوات في أقصى الحالات بحسب القانون”.
ويحمّل بادي هذا الموقف على فشل قانون المصالحة الوطنية الذي أقرّ في سبتمبر/أيلول 2005، لكونه “لم يقرّ باستعادة الحقوق السياسية والمدنية الكاملة لكوادر الإنقاذ، وعلى الأقل بالنسبة للذين لم يتورطوا في العمل المسلح”. ويلفت إلى أن “السلطة تتعسف وتمارس الانتقائية والتمييز بين المواطنين، تحديداً ضد جماعة الإنقاذيين، وهذا طبعاً يؤكد فشل ميثاق السلم والمصالحة الذي كان في أصله مبتوراً من روح المصالحة الحقيقية، بعدما كرّس هذا الميثاق الإفلات من العقاب ولم يسع ولو بخطوة للبحث عن آلية العدالة الانتقالية المعمول بها في تجارب الدول”.
ثمة بُعد آخر في حملة الإقصاءات التي تطاول مرشحي الأحزاب السياسية المعارضة، ينبّه إليه الناشط الحقوقي طارق مراح، ويتعلق بالتمهيد للانتخابات الرئاسية المقررة في ربيع عام 2019. ويشير مراح إلى أن “ما ذهبت إليهالإدارة الجزائرية من إقصاء لمن يسمونهم بالخطرين على الأمن العام، فيه الكثير من التعسف والانتقاء، ثم إن الذي يشكّل خطراً على الأمن العام يعتبر مجرماً في نظر القانون، ويتعيّن على القضاء محاسبته وفقاً لنصوص قانون العقوبات. وفي نظري أن هذا الإجراء اتخذته الإدارة للتحكم في قوائم المحليات وحسم نتائجها لصالح السلطة، خصوصاً أن المحليات هي بداية لرئاسيات 2019 ولا مجال للتغافل عن نتائجها”.

اترك تعليقًا