لا يختلف اثنان منصفان قرءوا التاريخ الحديث قراءة موضوعية، على أنَّ الثورة التَّحريرية المباركة من أعظم الثَّورات في عالمنا المعاصر وأكثرها زخمًا وألقًا وإشعاعًا. ذلك لما أحدثته من تأثير وتغيير بالغي الأهمية، لا على مستوى الدَّاخل فحسب، حيث حرَّرت شعبًا بأكمله كان يرزخ تحت نير الاستدمار الغاشم عقودًا وردحًا من الزمن، بل على مستوى الخارج أيضًا، أين كان لها وقع وصدى بلغ الآفاق. حتى أصبحت الجزائر المستقلة كعبة للأحرار وملتقى للثُّوار، تُشدُّ إليها الرِّحال من كلِّ الأنحاء والقارات، ومازالت إلى يوم النَّاس هذا، حكومة وشعبًا دولة وأمة تساند قضايا التَّحرر والانعتاق في المشرق والمغرب وفي كلِّ مكان، وما قضية الصحراء الغربية، والقضية المركزيَّة للأمة العربية والإسلامية، قضية فلسطين عنَّا ببعيد. هذه الأخيرة التي يقول عنها شاعر الثورة الجزائرية مفدي زكريا رحمة الله عليه في إلياذته:
فليت فلسطين تقفو خطانا * وتطوي كما قد طوينا السنينا.(ديوان اللهب المقدس)
وإذا كان السؤال المهم، هل اطَّلعت أجيال الاستقلال وما بعد الاستقلال على هذا الموروث الثَّر الحافل بالأمجاد والبطولات؟ إذا كانت الإجابة بالإيجاب، يأتي السؤال الأهم، هل ارتقينا نحن جيل اليوم بفهمنا وسلوكنا إلى مستوى قيم نوفمبر، أم حدنا عنها وابتعدنا؟
إنَّه لمن العجائب السبع أن تجد من العرب، ومن الأفارقة، ومن الآسيوين، ومن أهل الأمريكيتين من يقدِّس ثورة الجزائر، ويُشيد بتضحيات المليون ونصف المليون من الشهداء الأبرار الذين جادوا بأعزِّ ما يملكون من أجل حرية واستقلال بلادهم، وتجد من أبنائنا من لا يولي هذه القضايا الجوهرية ولا يعيرها أيَّ اهتمام، لا يسأل عنها ولا يبحث فيها، ولا يريد أن يطَّلع عليها، ونحن نعلم أنَّ من لا ماضي له، لا حاضر له ولا مستقبل.
فلما الهجر ولما الجفاء ولما النِّسيان، ونحن نملك مُنجزًا حضاريًّا ضخمًا يحسدنا عليه كثير من النَّاس! فليبق نوفمبر متالِّقًا في سماء الجزائر، فهو ينادينا في كل حين.. أنْ على دروب المجد سيروا، ولعهد الآباء والأجداد حافظوا، ولأمانة الشهداء صونوا، ولتبق لهذه المفردات الثورة، المجاهد، الشهيد..ألقها، وأن تبقى معانيها حاضرة حيَّة في عقولنا وفي وِجداننا.
تحيا الجزائر، المجد والخلود لشهدائنا الأبرار.
– جمال الدين عماري. 9 نوفمبر2017م/20 صفر 1439هجري
نوفمبر ينادينا.. ألستُ من بثَّ اليقينا؟!…بقلم الأستاذ جمال الدين عماري
