تحليل البيئة بدل الغرق في لعبة الأرقام الرسمية: محاولة فهم…بقلم نائب الأمين العام مسؤول الإعلام الأستاذ كمال قرابة

بعد هدوء عاصفة اليوم الاول من النتائج … البحث عن الحقيقة الغائبة :هل حان وقت طرح التساؤلات الصحيحة ؟
هل نحن ضحية سوء تقدير في الفهم ؟ ام ضحية مؤامرة نعجز عن فك عناصرها؟ وهذا للخروج من حالة الانهزامية النفسية التي نحجت السلطة في ايصالنا اليها ومعالجة موضوعية لواقعنا وتصحيح الاخطاء الحقيقية وخياراتنا وخطابنا وسلوك الوجهة الصحيحة في مساراتنا المستقبلية بإرادتنا لا بما يراد لنا.
……………..
عطفا على كثير التحليلات التي وردت بعد الانتخابات اقول ان كثيرها كان سطحيا و جانب الصواب في تحليل الوصف العميق والملم من كل الجوانب في وصف المشهد السياسي الحالي بالجزائر ، و من باب الموضوعية العلمية والتاريخية والواقعية وددت الافادة ببعض الملاحظات التي رأيت أنها لا يجب ان تغيب عن ذهن المتابع:
– لقد نجحت السلطة في اغراق الجميع في نحليل نتائج وفق أرقام هندستها مخابر الإدارة منذ زمن بعيد ويوم بدأ التزوير يسمم العملية الانتخابية منذ 1995 وهي أول اول مناسبة انتخابية تنظمها السلطة بعد توقيف المسار الانتخابي الذي كانت انتخابات 1991 التشريعية آخر انتخابات قيل عنها نزيهة او اقتربت من النزاهة آنذاك، وكان واضحا انه منذ انبعاث المسار الانتخابي قررت السلطة ان تمارس دكتاتورية انتخابية تحت غطاء الديمقراطية برغم انوف الشعب و تحت مظلة السلاح الذي كان سيدا يومها وفي ظل حالة حرب أهلية.
– الخارطة السياسية الحالية ليست نتاجا حقيقيا لصناديق الاقتراع يوم 23 نوفمبر ولا 04 ماي، بل هو واقع حتمي صنعته السلطة بحزمة متقنة ومنسقة من الغرابيل والتصفيات والتضيقات والاقصاءات بسنها لتشريعات جائرة غير دستورية لا تكون إلا في حالة الطوارئ، تشريعات تجفف العمل السياسي وتفتح المجال فقط لاحزاب السلطة- قانون الاحزاب – قانون التظاهر – قانون الانتخابات…
– السلطة وحدها من صنعت حالة العزوف وابعاد ملايين الجزائريين عن صناعة مصيرهم ن وقد عمدت بنية سيئة في عملية ممنهجة مدروسة لصناعة حالة من اليأس العام وهي التي تغذيه كل مرة بخطابها واجراءاتها رغم ادعائها العكس، وهي التي مارست القهر النفسي للمواطن الناخب عبر سياسات فرض الأمر السياسي الواقع وعبر خرق كل الاخلاقيات والاعراف السياسية والديمقراطية وعبر الفساد المعلن والافلاس السياسي في تسيير الأزمات المتعدده ، والاصرار على البقاء واكراه الشعب على خيارات اقتصادية انهكته وجعلته يرى نفسه بائسا بين الامم.
– السلطة تتعسف في استعمال جهاز الادارة وتهيمن عليه بشكل كامل وحولته الى جهاز حزبي بامتياز، هي من ينظم الانتخابات، تفسر القوانين حسب مزاجها و تتعسف بلامحاسب في تطبيقه، تقبل وترفض الترشيحات، تقصي كل من تراه منافسا حقيقيا، هي من تؤطر و من تراقب و من تحرر المحاضر ، وهي من يجند مئات الآلاف من الاعوان وتدفع اجورهم من خزينة الشعب وتحولهم الى آلة لجريمة التزويير و مصوتين بالوكالة عن الكتلة المقاطعة لصالح جهة واحدة.
– السلطة تحظر فتح مجال الاعلام الثقيل، لتنفرد وحدها ومرتزقتها بالمجال الاعلامي وتوجه الرأي العام وتغرقه بما تريد وتنقله الى الاهتمامات التي تريد بل وتمارس تهديداتها العلنية وقت الحسم بواسطة هذا الاعلام – اما نحن او الارهاب – وهي بذلك تقطع وتخنق اي صوت مخالف وما تعيشه الصحافة الخاصة المكتوبة الا دليل قاطع.
– السلطة هي من احتكرت وقسمت ريع المال العام لسنوات من البحبوحة المتخمة، و أقحمت بفضلها فئة جديدة من المتحكمين في الساحة السياسية هم اصحاب المال الفاسد من كبار ملاك رؤوس الاموال الذين يسقطون رؤساء حكومات ، إلى صغارالمقاولين والتجار الفاسدين في محيط البلديات الذين يجندون الشباب المحتاج على ابواب مراكز الانتخاب في مشهد مقزز وهم يهجمون على الوافدين لمكاتب التصويت من بقايا الأمل في المجتمع ، وكأنك تقف في مواقع المتسولين وهم يتدافعون على المارة.
– السلطة تستغل حالة الاحتراب ببعض الدول العربية وتبتز بها الشعب وتمارس تهديدات معلنة وغير معلنة على الشعب لايقاظ حالة الرعب واذكاء هاجس الخوف من الماضي وهي بذلك تغلق على الشعب في محتشد كبير وتصور له ان خارجه حرب مشتعلة كي لا يحاول الخروج ولا يفكر فيه – الاستقرار والاستمرارية – الشعار الذي ترفعه علنا، ومشاهد الموت التي تبث في مناسبة المصالحة التي كان يجب ان تستحضر فيه نتائجها الانسانية الراقية.
– طابوا آخر لا يتم الحديث عنه هو أصوات الاسلاك النظامية: لماذا تمنع الاحزاب السياسية عن مخاطبة هذه الفئة ويحرم عليها ايصال رسالتها اليها في الحملة الانتخابية؟ ثم لماذا تكون نتائج تصويتهم مائة بالمائة لصالح حزب واحد اوحزبين احيانا؟ هل لانهم مقتنعون برجالهم وسياساتهم لهذا الحد ؟ هل لانهم ليسوا جزائرين لنرى تعدد آرائهم؟ ام أن خطاب هذا الحزب وحده من يتجاوز اسوار الثكنات في المدن واقاصي الحدود ليقنهم الى هذا الحد؟ وهل فعلا لا يتم توجييهم الى سلوكهم هذا؟
– لا أتحدث كثيرا عن القضاء هل هو مستقل ام أداة ….. الموضوع لا يخفى ويحتاج الى مصباح أكثر إضاءة لواقعه ودوره…
– الأحزاب السياسية في الأخير هي ضحية نفسها وضحية السلطة، بعضها مستنسخ ليكون ملاذا للمتسربين من حزبي السلطة ،وبعضهم امتهن التملق لحد تجاوز خطاب السلطة نفسها وهي محظوظة بالاستفادة من الامتيازات التفضيلية من الدرجة الثانية .. وتبقى عديد القوى السياسية المقاومة لآثار هذه الحالة وهذا الواقع ولكنها ضحية اقصاء السلطة وعدوتها ال,لى والتي توجه اليها كل الهام لتطويقها ، و تمارس عليها كل انواع الحظر والحصار السياسي والاعلامي ، والتجريم لاية محاولة معارضة، وهي ضحية سلطة قبل ان تكون ضحية شعب وهي ضحية خياراتها و قياداتها ايضا قبل ان تكون ضحية مناضليها الغلابى…
و في االمحصلة العامة: كلنا ضحية سياسة ممنهجة لسنوات جعلتنا نجتر ما يقدم لنا في اللحظة من ارقام وتحاليل هي في الحقيقة صناعة محبكة تتطور مع تطور الوعي العام في المجتمع وفي العالم ، وهي ليست كما يتم تصويره لنا أمرا واقعا و حقيقة مطلقة.
لا تتهموني اني اعلق نكسة الطبقة السياسية أو بعضها على السلطة وحدها للهروب من الواقع… انا جزء من هذا الواقع وجزء من الطبقة السياسية وجزء من مشهد الحقيقة الضائعة… فقط احاول جمع عناصر الفهم حتى لا اخطأ في علاج الوضع على مستواي الذي استطيع التأثير فيه….
ان اخطأت في محاولة تشخيص الوضع فاني صادق ولي الحق في محاولة الفهم.

اترك تعليقًا