الأسرى الفلسطنيين أيقونة الحرية …بقلم الطالب في معهد المعارف المقدسية ياسين مقدم

الأسرى الفلسطينيون … أيقونة الحرية
يقضي الواحد منا يومه بين العمل ولقاء الأقارب والأصحاب وربما التسوق أو السفر، وينهي يومه بالعودة إلى ذلك البيت الدافئ حيث الزوجة والأولاد أو الوالدين والإخوة والأخوات، إلا أن الحال غير ذلك بالنسبة للأسرى الفلسطينيين، فهم يعانون من القمع والمنع مالا يدركه غيرهم، ويتجرعون طعم اللاإنسانية التي يمارسها عليهم الاحتلال الصهيوني الغاشم داخل غياهب السجون، ولكن هيهات، فالأسير الفلسطيني خلطة فريدة مصنوعة من عبق الصمود والحرية، خلطة تقبع غطرسة السجان اللعين.


تعتبر قضية الأسرى الفلسطينيين من أقوى وأرسخ دعائم مقومات القضية الفلسطينية، وقد اعتبرتها حركة التحرير الفلسطينية منذ البداية جزءا أساسيا من نضالها، وهي في الوقت نفسه شعلة متقدة في وجدان الشعب الفلسطيني يرسل بها إلى الأسرى أسمى معاني التضامن والصمود والأمل في نيل الحرية.
لم يكتف الاحتلال الصهيوني منذ سلبه للأراضي الفلسطينية بالقتل وسفك دم الشعب الفلسطيني الحر، بل وقام بفتح السجون والمعتقلات، وأخذ يملؤها بالنساء والرجال والأطفال والشيوخ، فلا تكاد ترى بيتا فلسطينيا إلا وقد تجرع مرارة الاعتقال والأسر، وبات الاحتلال يتفنن في إلحاق أصناف العقاب والعذاب بالأسرى جسديا ونفسيا، واتخذ من ذلك وسيلة وأداة للردع وزرع اليأس في نفوس الشعب الفلسطيني المقاوم.
لم يكن خيار الإعتقال والأسر الذي انتهجه الاحتلال مجرد فكرة عابرة، بل كان خطة مدروسة غير محدودة الأثر، يبدأ ألمها حال الإعتقال ولا ينتهي بعد التحرر، ولنا في قصص الأسرى ما تقشعر له الأبدان وتذرف له العيون دما، يعمد السجان فيها لوأد الثورة والإنتفاضة وإخماد روح المقاومة في نفوس الشعب الفلسطيني، وتغييب قضية فلسطين والأقصى عن تفكير الأسرى والمعتقلين.
تتصاعد جرائم الاحتلال في ظل تزايد معدل الإعتقالات، حيث تحصي هيئة شؤون الأسرى والمحررين ونادي الأسير الفلسطيني لاسيما منذ اندلاع “انتفاضة القدس” في الأول من أكتوبر/تشرين الأول 2015 نحو سبعة آلاف أسير يتجرعون ويلات السجن والإعتقال، بينهم ما يزيد عن أربعمئة طفل وطفلة، أصغرهم الطفلة “ديما الواوي” ابنة الثانية عشرة، وسبعون أسيرة فلسطينية، أقدمهن “لينا الجربوني” من المناطق المحتلة عام 1948 والمعتقلة منذ أربعة عشر عاما.
ما يقارب الألف وسبعمائة أسير يعانون من أمراض مختلفة، بينهم مئة وثمانون أسيرا يعانون من أمراض خطيرة، وخمسة وعشرون أسيرا يعانون من مرض السرطان، كما أشارت الإحصاءات إلى وجود سبعين أسيرا معاقون جسديا ونفسيا، وهو الأمر الذي استغلته سلطات الاحتلال وإدارة السجون للقضاء على الأسرى بشكل بطيء عبر الإهمال الطبي المتعمد.
إضافة إلى من تم الحكم عليهم بالمؤبد والذين بلغ عددهم خمسمائة أسير، يعمد الاحتلال بذلك لزرع اليأس في الأسرى وفي أهاليهم، دون أن ننسى من أعيد اعتقالهم بعد أن تحرروا في صفقة وفاء الأحرار.

إن المخالفات التي يرتكبها الاحتلال الغاشم في حق الأسرى لا تمد للإنسانية بصلة وكل ذلك أمام صمت كريه ومفضوح في الأوساط العالمية، فانتهكت بذلك القانون الدولي، وضربت بالمواثيق عرض الحائط، ومن هذه الانتهاكات: منع الأهالي من الزيارات، والتعذيب الجسدي والنفسي، والاعتقال الإداري وهو اعتقال بدون أي تهمة أو لأسباب تسميها قوات الاحتلال “بالأدلة السرية” وماهي إلا حجج واهية لتبرر جرائمها.
إن قضية الأسرى لم تكن يوما مجرد عناوين في الصحف وقنوات الأخبار، أو مجرد جرائم كالتي اعتادها الاحتلال الغاشم، بل تعدت لأكثر من ذلك لتصبح بالنسبة للمحتل سياسة ممنهجة وذات أثر عميق لإخضاع الشعب الفلسطيني على الركوع، أما بالنسبة للفلسطينيين فهي عقيدة يؤمن بها ويناضل من أجلها كل فلسطيني حر، وهي أيقونة الحرية التي ينتظر الشعب عودتها.
والمتأمل في حقوق الأسرى وكيفية معاملتهم في الإسلام، يجد أن ديننا دين الإنسانية جمعاء، فلا يؤسر إلا المحارب، وإذا أسر فيجب الإحسان إليه وعدم تجويعه أو تعذيبه أو إهانته “ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا” [الإنسان -8] ولم تظهر المعاهدات الدولية لتنظيم معاملة الأسرى إلا في عام 1875م وقد استقي معظمها من الإسلام، إلا أن هذا الكيان الزائف قد تحايل وشرع لنفسه قوانين للتعذيب والتنكيل بالأسرى.
والإسلام بدوره كثيرا ما حث المسلمين على وجوب نصرة بعضهم البعض وظل يذكرهم بأنهم أمة واحدة “إن هذه أمتكم أمة واحدة” [الأنبياء -92]، وأن المسلمين ” كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى”، فلا بد أن تكون هناك أولوية واستراتيجية متكاملة من أجل إطلاق سراح الأسرى والتخفيف من معاناتهم وبذل جهود مضنية لأجل حريتهم وذلك هديه صلى الله عليه وسلم إذ قال: ” فكُّوا العانِيَ [الأسيرَ]، وأطعموا الجائعَ، وعودوا المريضَ” [رواه البخاري]، ويقول الإمام القرطبي في خلاصة ما اجتمع عليه العلماء في وجوب فكاك الأسرى:” فداء الأسارى واجب وإن لم يبق درهم واحد، ويجب فك الأسارى من بيت المال، فإن لم يكن فهو فرض على كافة المسلمين، ومن قام به منهم أسقط الفرض عن الباقين”.
ووسط هذه العتمة وجب تسليط الضوء على قضية الأسرى الفلسطينيين، واستنفاذ كل جهد سياسي وحقوقي وقانوني وإنساني، والضغط على المحاكم الدولية للتحقيق في جرائم وانتهاكات الاحتلال الصهيوني ضد الأسرى، كما لا يمكن إغفال دور الإعلام في التعريف بقضية الأسرى ونقل روايتهم ونشر معاناتهم وما يتعرضون له من جرائم المحتل وفضح الدعاية الصهيونية.
إنكم أيها الأسرى شعلة تنير للشعب الفلسطيني درب النصر والحرية، وتحرق جبروت المحتل الخائب، إنكم حقا أحرار خلف القضبان، وبصمودكم كسرتم قيد السجان اللعين، وبحبكم لهذا الوطن أنشأتم وربيتم أجيالا لا تعرف غير طريق الحرية سبيلا ومنهجا، فاصبروا فالله معكم، وما النصر إلا صبر ساعة “ويقولون متى هو، قل عسى أن يكون قريبا” [الإسراء -15].
ياسين مقدم

اترك تعليقًا