كلمة رئيس مجلس الشورى الأستاذ نصر الدين سالم شريف في لقاء المجلس المنعقد يوم الجمعة 06 أفريل 2018

كلمة رئيس مجلس الشورى الوطني
الأستاذ : نصر الدين سالم الشريف
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أيها الاخوة والأخوات أبناء حركة البناء الوطني، أبناء الجزائر – أبناء منهج الوسطية والاعتدال، المنهج الذي تركنا عليه الشيخ محفوظ نحناح.
الأوفياء لرسالة الشهداء، الثابتون على طريق الدعوة والحركة، القائمون بأمر التربية والإصلاح الإخوة الذين لم تستفزهم عواصف الفتن المختلفة، ولم يفتنهم الرّبيع العربي وارتداداته، ولم تزحزحهم حملات التيئيس المنتشرة في الأمة والمجتمع بل داخل أبناء التيار الإسلامي فلم تيأسوا لأن اليأس أخو الكفر قال تعالى ” إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ»
إن ثباتكم الكبير ثمرة الفهم والتربية، وثمرة الصدق والإخلاص – إن شاء الله – وثمرة وفاء الشيخ مصطفى بلمهدي لدعوته ولإخوانه من خلال تجسيد القيادة الجماعية، وتكريس مظهر البساطة في القول والفعل والانجاز، والبساطة أول مظهر من مظاهر حركتنا فانتصب الشيخ مصطفى بلمهدي بهذا معلما من معالم الدعوة في الجزائر تؤخذ منه الدروس والعبر.
وإن نجاح مؤتمركم الاستثنائي كان ثمرة آلاف اللقاءات والدورات التكوينية والمخيمات الصيفية والمبيتات الإيمانية والرحلات الترفيهية والنشاطات الاجتماعية والسياسية، قال الله تعالى ” إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا “، فكان المؤتمر الثمرة وكان أخوكم عبد القادر بن قرينة ثمرة الثّمرة فهو لم يأت عفوا وإنما هو عصارة خالصة نقية طاهرة لجهودكم وتجربتكم فكان حفظه الله تعالى طيلة السنوات الماضية مثلا في رسوخ الثبات وقوة الاقتراح وفعالية المبادرة وقدرة اتخاذ القرار وبراعة ربط العلاقة والاتصال ورؤية ملامح المستقبل ورسمها وتوجيهها والمرابطة الدائمة ليس فقط بالحضور الدائم في المقر الوطني بل أكثر من ذلك الحضور الذهني واليقظة المستمرة والتجرد الكامل وذلك هو الجوهر بمختلف معانيه فاختياركم له ليقود سفينة الحركة في هذه الفترة الحساسة المليئة بالعواصف العاتية والأزمات الحادة وكذلك بالآمال العريضة .

هذا الاختيار يفرض علينا جميعا ويفرض عليه خصوصا:
1- استلهام منهج الشيخ محفوظ نحناح في المشاركة السياسية واطلاقه في ثوب جديد يجسد الوفاء ويؤكد حاجة الجزائر والأمة لهذا المنهج بما يساهم في إخراج الجزائر من الأزمات وإخراج الأمة من الانقسامات وحالات الاحتراب.
2- التوجه إلى الشعب الجزائري بمختلف فئاته وجهاته وشرائحه وشبابه ونسائه بمنهج الوسطية والاعتدال والسلمية لحماية نسيجه وحفظ وحدته.
3- التوجه إلى النخب الحاكمة وصناع القرار والطبقة السياسية وتجسير العلاقة معها لبناء خيارات ومسارات مشتركة ترتقي بالوطن وتساهم في صناعة مستقبل آمن ومزدهر.
4- التوجه إلى أبناء الثوابت ومحبيها والعمل على إعادة بعث الأمل فيهم وفي مشروعهم والتأكيد على دورهم وأهميتهم في المجتمع فهم حماة الهوية والمرجعية وعنصر الخيرية في الأمة وصمام أمان وحدة الوطن والدّرع الذي يقي الأمة والوطن من مؤامرات الأعداء ومخططاتهم.
أيها الاخوة والأخوات:
إن أمتنا تمر بمرحلة صعبة – وربما الأصعب – في تاريخها فهي ممزقة سياسيا واجتماعيا وثقافيا ومنهكة اقتصاديا، وجُلُّ الفتن والصراعات والأزمات والحروب تدور في أوطاننا العربية والإسلامية ، من نيجيريا إلى مالي إلى إفريقيا الوسطى إلى الصومال إلى ليبيا إلى مصر إلى السودان إلى اليمن إلى سوريا إلى العراق إلى أفغانستان إلى بورما إلى الأرض المباركة فلسطين.
وقُدِّرَ لحركة البناء الوطني أن تولد أو أن تتجدّد بهذا العنوان في هذه المرحلة، فمن قلب الأزمات والملمّات انبعث القادة العظماء والجماعات الكبرى والشعوب التي صنعت التاريخ فكيف يمكننا – وهذا قدرنا -أن نجعل هذا الوطن العزيز الجزائر منطلقا لنهضة الأمة ومعبرا عن آمالها وطموحاتها مثلما فعل عظماء هذا الوطن في القرن الماضي عبر ثورة نوفمبر المجيدة.
حركتنا – حتى تقوم بهذا الدور – يجب أن تكون شاهدة على النّاس وعلى المجتمع بحضورها في كل الوطن وجهاته وأبنائه وفئاته عبر مناشطها وأعمالها وخدماتها ومواقفها، تلبي احتياجات الوطن والمواطن والشباب وتطلعاتهم للقيم والأخلاق وللتنمية والعدالة وللحرية والمبادرة.
ومالم تنتصب قدوات في المجتمع وأئمة خير وصلاح واستقامة وعمل لا يمكن أن نصل إلى هؤلاء قال الله تعالى: ” وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ “، أئمة ينشرون الاستقامة والصلاح ويزرعون الأمل والنجاح، ويواجهون الغلو والتطرف ويعلمون الحكمة و العلم ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويحافظون على مرجعية الأمة ووحدة الوطن، وينفضون الغبار عن الخيرية المبثوثة في الأمة ويبعثونها من جديد في الشباب والمرأة، في الفلاح والعامل، في الأستاذ والموظف، في التاجر ورجل الأعمال، في المسؤول والإطار، فالجزائر بحاجة إلينا والأمة في حاجة إلينا ، ومدرسة الوسطية والاعتدال في حاجة إلينا.
إن رفعَكم راية لملمة وجمع وتوحيد أبناء مدرسة الوسطية والاعتدال ومحبّيها والتّحالف مع الوطنيين الصّادقين وكلُّ من يحب الخير للوطن يدخل في السياقات الفكرية والحضارية والسياسية الكبرى المتصلة بالأمة والوطن وليست هذه الدعوة موقفا عاطفيا تمليه رغبة أو شعور بالذّنب أو تهرب من مسؤولية أو استجابة لضغط بل هو عمل قيادي حضاري استراتيجي كبير.
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم” الخير في وفي أمتي إلى يوم القيامة” .
وهذا يتطلب الاجتهاد في التحقق بصفات عباد الرحمان الواردة في سورة الفرقان والتي خاتمتها وتاجها وثمرتها ” وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ”
ومن جعله الله من العاملين للدّين والوطن فقد وفقه واجتباه ويريده أن يتحقق بهذه الترقية فلا يتأخر وقد قال صلى الله عليه وسلم: ” ومن تأخر أخّره الله” وقال: ” المؤمن القوي خير وأحب الى الله من المؤمن الضعيف”
فوضعكم المميز – بعد المؤتمر – أمر يفرض مواكبة مرحلة اصلاح المجتمع ، فإنتاج الأسر في شكلها التنظيمي وفي شكلها الاجتماعي هو المواكبة الحقيقية للمرحلة والمقدمة الضرورية لإصلاح الحكم وترشيد المشاركة.
سننجح – إن شاء الله – إذا جعلنا حياتنا الفردية والعائلية وقفا لله تعالى، وجعلنا أسرنا التّربوية ومؤسّساتنا تعيش في قلب المجتمع – لا هامشه – ومتفاعلة مع خططنا وبرامجنا وتمتد جذورها في عمق المجتمع فتغذيه، وتمتد أشجارها وأغصانها في آفاقه، فتظله بظلها وتطعمه من ثمارها فيأوي إليها أبناء مدرسة الوسطية والاعتدال و نصنع معا كتلة جمالية بهذه الصفات يذوب فيها أبناؤها جميعا ويلتف حولها الخيّرون وتصبح أمل المواطنين والأمة ومكونا أساسيا في الدّولة والوطن، فنكون نحن العاملين نورا وخيرا، وأملا وطموحا، ونجاحا وتوفيقا، وقد قال الحكماء ” كن شمسا فإن لم تستطع فكن قمرا منيرا فإن لم تستطع فكن نجما لامعا وعن جهة النور لا تنقطع “.
قال تعالى:” وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ “.
هكذا يجب أن ننظر إلى موضوع الوحدة والاتحاد والتحالفات.
أيها الأخوة والأخوات:
تعلمنا من المربّين قولهم: ” من لم تكن بدايته مُحْرِقٌة لن تكون نهايته مشرقة” فلنجعل بدايتنا محرقة لتكون علامة صدق وتوفيق ولننطلق في ربوع الجزائر .. في ولاياتنا وبلدياتنا وأحيائنا ونُرِي مجتمعنا منا قُوَّةً .. قُوَةَ الفهم .. قوة الإيمان. . قوة العمل .. قوة المحبة والأخوة فالناس ينزعون إلى القوة .. وأمامنا إخواننا وأخواتنا في الولايات والبلديات وكذلك أبناؤنا وبناتنا ونساؤنا لنزرع فيهم الطموح والأمل، والعمل والإنجاز .. ندربهم ونعلّمهم ونرافقهم .. نزرع الرّوح في أسرنا التنظيمية وفي أسرنا الاجتماعية فتصبح أسرنا التنظيمية خلايا حيّة فعالة تتكاثر مثلما ورد عن السابقين أنهم “يزيدون ولا ينقصون”، وتكون أسرنا الاجتماعية سندا لفكرتنا وجزء من دعوتنا ووقوداً لمناشطنا وبُنَاةً لوطننا وحماة لأمتنا .. وحمل أسرنا على ذلك إحدى واجباتنا الفردية.
فلننطلق لتجديد هياكلنا وتأسيس مؤسساتنا وتشكيل مجالسنا المتنوعة ونشر فكرنا ومشروعنا الإصلاحي.
فالفرصة سانحة والزّمن موات والمجالات متاحة لا نُضَيِّع ذلك فنندم.
قال الله تعالى” أُولَٰئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا ”
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

اترك تعليقًا